منتدى طلبة جامعة خنشلة -جامعة عباس لغرور

منتدى مفتوح لجميع الطلاب والأساتذة . بحوث و دروس .كل ما يحتاجه الطلبة عامة ، و طلبة جامعة خنشلة خاصة منتدى الطلبة الجزائريين و العرب
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
آخر المواضيع
الموضوع
تاريخ إرسال المشاركة
بواسطة
مكتبـــــــــة مذكــــــــرات تخـــــــرج مواضيــــع قانونيــــة
قالوا عن جامعة المدينة العالمية
آخر أخبار الإضراب في الجامعة
صابلي بالشكولا
عمادة الدراسات العليا
خطاب تعريفي بجامعة المدينة العالمية
كلية العلوم الإسلامية
مجلةجامعةالمدينةالعالميةالمحكمة
مركز اللغات
كلية العلوم المالية والإدارية
الأربعاء أكتوبر 12, 2016 7:01 am
الجمعة فبراير 05, 2016 3:34 pm
الجمعة يناير 15, 2016 7:59 pm
الجمعة يوليو 31, 2015 8:13 pm
الأحد يوليو 26, 2015 7:17 pm
الأحد يوليو 26, 2015 7:12 pm
الأحد يوليو 26, 2015 7:11 pm
الأحد يوليو 26, 2015 7:10 pm
الأحد يوليو 26, 2015 7:10 pm
الأحد يوليو 26, 2015 7:09 pm











 

  المدرسة الكلاسيكية و النيوكلاسيكية في الإقتصاد السياسي

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
أمير الإحساس
صاحب الموقع
صاحب الموقع
أمير الإحساس


عدد المساهمات : 935
تاريخ الميلاد : 11/11/1991
العمر : 33
الموقع : http://etude40.fanbb.net/

 المدرسة الكلاسيكية و النيوكلاسيكية في الإقتصاد السياسي Empty
مُساهمةموضوع: المدرسة الكلاسيكية و النيوكلاسيكية في الإقتصاد السياسي    المدرسة الكلاسيكية و النيوكلاسيكية في الإقتصاد السياسي Emptyالسبت فبراير 14, 2015 12:21 am

المدرسة الكلاسيكية في الإقتصاد
المدرسة الكلاسيكية

تمهيد

مما لا ريب فيه أن الأدب العربي الحديث اتصل بالأدب الغربي قديمه وحديثه اتصالاً وثيقاً، وتأثر به تأثراً بالغاً قد يفوق تأثره بالأدب العربي القديم، كل ذلك عن طريق الاقتباس والتعريب والترجمة، واطلاع الأدباء العرب على الأدب الغربي في لغاته الأصلية، ويظهر ذلك من استحداث فنون أدبية جديدة في أدبنا العربي الحديث ، أخذناها من الأدب الغربي كالملاحم والمسرحيات الشعرية، والمسرحيات التراجيدية والكوميدية.. وتقليد المذاهب الأدبية، كالكلاسيكية، والرومانتيكية، والرمزية.. وقبل أن ندخل في دراسة هذا المذهب ( الكلاسيكية ) ، لابد من الإشارة إلى أن النهضة الأدبية الأوروبية سعت منذ بزوغها إلى استلهام الأدب الإغريقي واللاتيني، واستغرقت في دراسته واستظهاره آثار أفلاطون.. وأرسطو، وهوميروس، وسوفوكليس، وشيشرون وغيرهم، وفي ظل هذه العناية الفائقة بآثار اليونان والرومان نشأ في أوروبا أول مذهب أدبي هو "الكلاسيكية"، ولكن هذا المذهب لم يكتب له الذيوع والانتشار إلا مدة محدودة، إذ قامت في إيطاليا وألمانيا وإنجلترا انتفاضات على هذا التقليد، وتمرد على تلك التبعية لآثار الإغريق والرومان، وبخاصة إذا عرفنا أن هذه الأقطار وأقطاراً أخرى كانت تسعى نحو الاستقلال والوحدة، وتنشد أدباً ذاتيا يعبر عن آمالها وآلامها وأفراحها وأحزانها، وهذا ـ بالطبع ـ أفضى بها إلى استحداث مذاهب أدبية جديدة غير الكلاسيكية. ولعل القارئ أدرك بنفسه الآن أن هذه المذاهب نشأت نتيجة لحالات نفسية وأوضاع اجتماعية سادت أوروبا ، ولن نستفيد من تلك المذاهب في أدبنا إلا إذا أحطنا بهذه الحالات والأوضاع، وألممنا بتلك الظروف التي نشأت في أحضانها، وهي ظروف تختلف اختلافاً بيناً عن ظروفنا وحاجاتنا الروحية والنفسية.

الفصل الأول. نشأة الفكر الكلاسيكي

المبحث الأول : الثورة العلمية التقنية
"الثورة العلمية التقنية : لقد حلت الآلة محل أدوات الصناعة اليدوية و ساعدت الاكتشافات العلمية في تسريع وتوسيع و تجديد الإنتاج ، حيث ظهرت أشكال عديدة لأنواع الغماوال و النسيج الآلي ،،،"
" كما تم اكتشاف البخار وتمت الاستفادة منه لدعم محركات الآلات الصناعية وجرى تعميمه ليشمل معظم المراحل الصناعية ...
ومن بين العناصر المستفاد منها نذكر كذلك :
الفحم الحجري في صهر المعادن
صناعة الحديد و الصلب و النحاس المستورد من المستعمرات و أمريكا الجنوبية .
كل هذا التطور العلمي التقني أدى إلى أن يتجه قسم كبير من رأي المال التجاري إلى ميدان الصناعة بغية دعمه و الاستثمار فيه لان العائد من ذلك كبير وطائل الحجم ومن بين الذين وظفوا أموالهم الصناعيين و اللوردات ( ملاك الأراضي ) .
- قيام الثورة الصناعية مبكراً (على قوة البخار) فى منتصف القرن 18 فى إنجلترا.
2- استخدام الأساليب العلمية الحديثة فى الصناعة.
3- وفرة (المواد الخام – مصادر الطاقة – رؤوس الأموال – العمالة الماهرة).
4- الاعتماد على المستعمرات القديمة كمصدر للمادة الخام و سوق لبيع السلع.
أهم الصناعات
الحديد و الصلب – الطائرات – القطارات – السفن – الآلات – الأجهزة الكهربائية – الصناعات الغذائية – أدوات الزينة و الأثاث. "
المبحث الثاني : الثورة الفرنسية
"الثورة الفرنسية : تمكنت مبادئ الثورة الفرنسية من تجذير مبدأي التحرر و نمو الفردانية حتى في تلك البلدان التي لا تستطيع نقل أو اعتناق مبادئها السياسية المتعددة الجوانب كالحرية الشخصية و حرية إبرام العقود و حقوق الإنسان و المواطن و التي يمكن ترجمتها و التعبير عنها اقتصاديا ، بتحرير كل من التجارة و العمل .
لقد لاقت هذه المبادئ صدى عميقاًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًً ًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًً ًًًًًًًًًًً حيث اتسم المناخ الاجتماعي بالنقد الفلسفي و ساهم البريطاني دافيد هيوم ( 1711 – 1776 ) بتشجيعه للمنافسة وترقيتها بين الأفراد . وقد مارس " هيوم " تأثيرا و اضحا ًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًً على مؤسسي المدرسة الكلاسيكية وهو آدم سميث ليمتد لاحقا إلى باقي تلامذة و أتباع هذا الأخير" ...

المبحث الثالث : الثورة الصناعية و الزراعية
1.1 - أ) الثورة الصناعية : نمت الثورة الصناعية في ظل التفكير المتحرر و المتفتح القائم على المبادئ العقلية ، الرافضة للحكم المطلق بجميع صوره السياسية والكنسية بنجاح الثورة الإنجليزية إذن يمكن تعريف الثورة الصناعية بأنها :
" سلسلة التغيرات التي حصلت في أوربا خلال النصف الثاني من القرن الثامن عشر ق 18 و بداية القرن التاسع عشر ق 19 حيث حولت وسائل الإنتاج الصناعي من الآلات البسيطة إلى أجهزة ضخمة ، شمل هذا التغير كل الميادين منها : الزراعة ووسائل التعدين ، وطرق الموصلات البحرية ، و أثر في النظم الاقتصادية و المجتمع الأوروبي خاصة و العالم عـامة
ب ) أسباب قيام الثورة الصناعية في إنجلترا :
كانت بريطانيا أسبق دول العالم في تحقيق النهضة الصناعية . فمنذ منتصف القرن الثامن عشر انطلقت بها الثورة الزراعية التي أدت إلى تحسن المستوى المعيشي لسكان الأرياف فتزايد إقبالهم على استعمال المعدات الزراعية المتطورة واعتماد جانب من مدخراتهم في تطوير المشاريع الصناعية . كما أدت الثورة الزراعية وإدخال الآلات وطرق الاستغلال الحديثة إلى سيطرة الملكيات الكبيرة والاستغناء عن نسبة هامة من العمال الزراعيين فتوفرت بذلك يد عاملة جديدة وكثيرة العدد للمصانع .
وبالإضافة إلى ما حققته الثورة الزراعية تجمع لدى بريطانيا رصيد ضخم من المال من تجارتها الواسعة مع مستعمراتها وظهرت فيها المصارف التي شجعت على بعث العديد من المشاريع الصناعية
. و يكن اختصار هذه الأسباب في :
 استقرار الأوضاع السياسية
 ظهور الرأسمالية
 ظهور المخترعين
 توفر الأيدي العاملة
 ملائمة المناخ للنشاط البشري ، و نجاح الغماوال و النسيج
 توفر المواد الأولية و في مقدمتها الفحم و الحديد
و بعد هذا الرقي الذي عرفته الثورة الصناعية في بريطانيا امتدت جذورها لتشمل باقي الدول الأخرى ، خاصة دول غرب أوربا ، فامتدت الثورة الصناعية من إنجلترا إلى بلجيكا وفرنسا بين سنوات 1815 – 1848 و انتقلت إلى ألمانيا و الو م أ بين سنوات 1815- 1870 ثم من النصف الثاني من القرن 19 انتشرت إلى إيطاليا و أوربا الوسطـى وروسيا و اليابان .
و في القرن العشرين وصلت إلى أكثر مناطق العالم و قد انتشرت هذه الأخيرة بفضل الطباعة و تطور لمواصلات و الهجرة و التبادل التجاري و الحروب و البعثات التعليمية . "

الفصل الثاني .أهم رواد الكلاسيك و نظرياتهم

المبحث الأول : نظريات آدم سميث
أدم سميث.. دعوة للتحرر من القيود ( 1723 – 1790 )
" مفكر واقتصادي اسكتلندي، كان يرفض تدخل الحكومة في الصناعة أو التجارة ودعا إلى الفكر الرأسمالي، في قوله ** دعه يعمل دعه يمر ** له عدة مؤلفات قيمة، بالإضافة للعديد من الآراء التي تهدف للبحث عن مصلحة الإنسان، ورفع القيود الحكومية والجمركية للسماح بقدر أكبر من الحرية للتجارة والاستثمار.
النشأة
ولد أدم سميث في 16يونيو عام 1723 بكركلدي لعائلة اسكتلندية، توفى والده قبل ولادته بعدة أشهر، وقامت والدته برعايته، تلقى سميث تعليمه المدرسي بكركلدي، ثم التحق بجامعة جلاسجو باسكتلندا عام 1737 وهو في الرابعة عشر من عمره، درس سميث علي يد البروفيسور هتشسون، والذي عرف بنظراته الطبيعية إلى المسائل الأخلاقية وبربطه بين الدين والحرية والسياسة، وكان لهتشسون بالغ الأثر على تفكير وأراء سميث.
حصل سميث على منحة دراسية لدراسة اللاهوت عام 1740 بجامعة أكسفورد كلية باليلول، ولكن لم تنل الدراسة في أكسفورد إعجاب سميث، حيث وجد المدرسيين سطحيين وكسالى، ولم تكن علاقته بكل من مدرسيه أو زملائه على ما يرام، ومما قاله في ذلك في أحد مؤلفاته " في جامعة أكسفورد نجد أن العدد الأكبر من الأساتذة قد ترك حتى مسألة ادعاء التدريس لعدد من السنوات".
المجال العملي
لم يستطع سميث أن يكمل دراسته في أكسفورد فما لبث أن عاد إلى موطنه مرة أخرى عام 1748، وسعى من اجل الحصول على وظيفة في مجال التدريس، وقام بإلقاء بعض المحاضرات المستقلة في الأدب والبيان، وقد لاقت هذه المحاضرات الإعجاب من قبل ذوي النفوذ الأمر الذي ساعده على أن يصبح أستاذاً للمنطق بجامعة جلاسجو عام 1751، وبعدها بعام أصبح أستاذاً للفلسفة الأخلاقية التي شملت الأخلاق والقانون والاقتصاد السياسي، وقد شغل هذا المنصب قبل ذلك أستاذه هيتشسون.
ترك سميث عمله بالتدريس في جامعة جلاسجو عام 1764، ليعمل كمدرس خاص لأبن دوق فرنسي بعائد مادي مريح وفرصة للتنقل والسفر، وقد استغل سميث هذا الوضع الجديد بما يتيح له من أوقات فراغ لزيادة ثقافته وإكثاره من الإطلاع والبحث، وفي هذه الفترة عكف على إنجاز واحد من أهم كتبه وهو كتاب "ثروة الأمم" الذي صدر عام 1776.
فلسفته
سعى سميث من خلال كتابته في الميول الأخلاقية في عرض مادة جادة لتكوين صورة عن التكوين الطبيعي للمجتمع، وقام فيها بتفسير السلوك الإنساني وذلك من خلال ثلاثة دوافع هي حب النفس والعطف، الرغبة في الحرية وحب التملك، عادة العمل والميل للمبادلة، ويرى سميث أن هذه الدوافع السابقة تحقق تكامل فيما بينها وتتجه في النهاية نحو هدف واحد وهو وجود وضع اجتماعي يسوده تناسق بين الأفراد، فحتى لو اندفع الشخص وراء أهدافه الشخصية يجد نفسه في النهاية وبلا وعي يحقق الصالح العام، وقد استند سميث لهذه الفلسفة في الدفاع عن نظامه الاقتصادي والسياسي. "

" كانت لسميث نظرة فلسفية خاصة به فكان دائماً حريصاً على مصلحة الإنسان، ولم يحاول أن يضع آراءه ونظرياته موضع التجربة والتطبيق، كغيره من بقية الكتاب الاقتصاديين، وعلى الرغم من هذا لم يبتعد سميث عن الواقع فقد وضع تفكيره وآراءه في قالب اقتصادي سياسي، والذي وجده أكثر ملائمة من الناحية الواقعية لزيادة الرفاهية المادية والثروة.
مؤلفاته
قدم أدم سميث للمكتبة العالمية العديد من الكتب الهامة منها كتابه في "نظرية العواطف الأخلاقية" الذي نشر فيه استنتاجاته الأخلاقية، والذي اعتبره الكثيرون واحد من أهم الكتب التي قدمت في هذا المجال، كما كتب سميث في كل من القانون وفلسفة الأديان وعلم الفلك وغيرها، ومن الكتب الهامة أيضاً التي قدمها كتاب ثروة الأمم.

رجل الاقتصاد
كان لسميث فكره الاقتصادي الخاص والذي دعا فيه الحكومة إلى الحد من التدخل في الصناعة والتجارة، وجاء أدم سميث في مقدمة رجال الاقتصاد الكلاسيكيين، وقد عني في كتبه بمشكلة التنمية الاقتصادية، وعلى الرغم من عدم إعطائه نظرية متكاملة في النمو الاقتصادي، إلا أنه شكل الأساس الذي سار عليه علماء الاقتصاد من بعده.
كتاب ثروة الأمم
رأى سميث انه يمكن تطبيق القانون الطبيعي في الأمور الاقتصادية، فكل فرد مسئول عن سلوكه وبالتالي
يكون هو أفضل شخص يحكم على مصلحته الشخصية، بالإضافة لسعيه من اجل تعظيم ثرواته، وبالتالي يجب عدم تدخل الحكومات في كل من التجارة والصناعة.
ويعتبر سميث عملية التراكم الرأسمالي احد الشروط الضرورية لتحقيق التنمية الاقتصادية، فيجب أن يكون هناك ادخار أكبر من قبل الأفراد وبالتالي استثمار أكثر في الاقتصاد الوطني، وتتمثل عناصر النمو وفقاً لسميث في كل المنتجين والمزارعين والمستثمرين والذين يجب منحهم حرية التجارة والمنافسة مما يؤدي لتوسيع أعمالهم وزيادة التنمية الاقتصادية.

الوفاة
جاءت وفاة سميث في 17 يوليو 1790 عن عمر يناهز 67 عام بإيدنبرج سكوتلندا. "

المطلب الأول : الثروة عند آدم سميث" الثروة عند آدم سميث : الثروة كما ينظر إليها آدم سميث هي مجموعة الأعمال و الأموال المادية التي يستعملها الإنسان لإشباع حاجياته المستمرة ، و التي تحصل عليها الإنسان إما بواسطة جهد عضلي يدوي أو فكري ، ويعتبر آدم سميث أن حجم الثروة يتوقف على عدد السكان العاملين في نطاق الإنتاج و هي إنتاجية العمل .
المطلب الأول : فكرة تقسيم العمل عند أدم سميثيمكن القول أن اسم آدم سميث اقترن اسمه بوجود فكرة تقسيم العمل إلا أن لها أصول عند بعض المفكرين الذين سبقوه ، فالعمل هو أساسي ثروة الأمم وتتوقف إنتاجية كل عامل على دور تقسيم العمل الذي يؤدي إلى رفع الإنتاج و تراكم رأس المال
كما رأى سميث أن فكرة تقسيم العمل تعد البداية في نظرية النمو الاقتصادي، والتي تؤدي إلى أعظم النتائج في القوى المنتجة للعمل كما يؤدي تقسيم العمل إلى :
 زيادة مهارة كل عامل على حدا
 يوفر الوقت بواسطة الانتقال من عمل لآخر
 يساعد على تطوير المهارات و الاختراعات العلمية و تطوير الآلة
 يساعد على زيادة إنتاج السلع و بالتالي زيادة تراكم رأس المال .

أما بخصوص الزراعة فيقول سميث ليس بالقطاع الوحيد بل إن الصناعة هي الأساس في تراكم رأس المال . "

المطلب الثالث : الريع و الأرباح و الأجور

" و يمكن لنا أن نجد تفسيرا آخر في كتابات سميث للعلاقة العكسية بين الأرباح و الأجور حينما تناول دراسته للطريقة العكسية التي ترتفع بها أسعار السلع الزراعية أثناء عملية النمو الاقتصادي.
" فلقد ذكر آدم سميث في وجهة نظره إلى وجود العلاقة العكسية بين الأرباح و الأجور و ذكر أن دخل النشاط الصناعي يوزع إما في شكل أجور أو أرباح بحيث أنه كلما زادت أجور العمال فإنه بالمقابل يتم النقصان لأصحاب رأس المال (الأرباح ) .
ولكن في الواقع أن هذا التعريف يتضمن حالة من السكون و هو بذاته يتناقض مع ما أبداه آدم سميث في كتابه * ثروة الأمم * و مضمونه أن زيادة آجر العامل يحفزه إلى زيادة الإنتاجية و مع الأخذ بهذا الرأي و التسليم بصحته فإن زيادة الأجور لابد و أن تؤدي إلى زيادة الإنتاج ومن ثم زيادة الأرباح .
ومن بين أحد المبررات التي أعطاها آدم سميث لتفسير العلاقة العكسية بين الأرباح و الأجور ، هو أن نمو رأس المال في أي اقتصاد يسبب في حد ذاته تناقص الأرباح لأنه يضيق وجهة نظر المستثمرين لإيجاد طرق جديدة لاستثمار أموالهم .

المطلب الرابع : نظرية آدم سميث في النمو " تقوم افتراضات النظرية على أساس وجود الهيكل الاقتصادي التي لا تتدخل فيه الحكومة في مختلف نواحي النشاط الاقتصادي فهو إذا هيكل اقتصادي يعتمد على الإيمان بحرية الأفراد في التصرف وبالمنافسة الحرة و بمبدأ حرية التجارة
ومن مبادئ آدم سميث أن تحقيق الزيادة و الأرباح في الثروة ( النمو ) يأتي بإتباع مبدأ تقسيم العمل و التخصص فيه لأن هذا الأخير يؤدي إلى زيادة إنتاجية العمال فهو بدوره يؤدي إلى زيادة المهارة و اكتساب الخبرات و زيادة القدرة على الابتكار ومن شروط قيام تقسيم العمل هو قيام الأفراد على الادخار ذلك لأن كثرة الادخار ضرورية و شرط لا بد منه للزيادة و النمو في رأس المال و بالتالي تؤدي إلى زيادة القدرة الإنتاجية مما تؤدي بدورها إلى زيادة الإنتاج و المبادلات و زيادة دخول الأفراد و مع ضرورة وجود الادخار كعامل أساسي لتقسيم العمل يجب أن يعتمد تقسيم العمل على السوق .
بحيث أنه إذا كان السوق ضيقاًً فإنه لا يمكن للصناعات أن تقوم وتنشأ بزيادة الإنتاج لأنها لن تتمكن من تسويقه أما اتساع السوق فهو يؤدي إلى زيادة الدخل وبطريقة تراكمية يؤدي هذا إلى زيادة جديدة في حجم المدخرات وفي حجم السوق مما يؤدي مرة أخرى إلى زيادة الإنتاج و الدخل . "

المبحث الثاني : نظريات دافيد ريكاردو
دافيد ريكاردو ................ ( 1772- 1823 )

" ينحدر من أسرة يهودية إسبانية و عرف عنه دقة تفكيره و قدرته الفائقة على التحليل المنطقي ، وقد عمل في شركة والده و عن طريقها اكتسب الخبرة بالشؤون المالية و الصرفية و أسعار الصرف الخارجي .
انفصل عن والده و اعتنق المسيحية وتزوج من إمرة يهودية يرجع أصلها إلى جماعة Quakers  الكويكرز
أسس شركة خاصة به درت عليه أرباحاًًً كبيرة بحيث أصبح من أصحاب الملايين و هو لا يزال بحدود الخامسة و الثلاثون 35 من عمره .
اهتم بدراسة الرياضيات و العلوم و نظريات الاقتصاد السياسي . ويعتبر ريكاردو مؤسس علم الاقتصاد الحديث ومؤلفا لكتاب عنوانه الاقتصاد السياسي و الضرائب . واحتوى على نظريات اقتصادية مشهورة مثل نظريته في الريع التي تقول بأن الريع يميل إلى الزيادة مع مرور الزمن . وكذلك نظريته في القيمة التي تقول أن قيمة الشيء إنما تحدد بنفقة الإنتاج على أساس العمل .
ثم نظريته في الأجور التي تقول بزيادة الجنس البشري بنسبة اكبر من نسبة الزيادة في المواد الغذائية مما يترتب عن ذلك أن يتساوى الأجر مع الحد الأدنى اللازم للمعيشة .
باختصار : تظهر ليبرالية دافيد ريكاردو و تشاؤمه مما آلت إليه الأوضاع الاجتماعية للطبقات المحرومة في بريطانيا و يؤمن هو الأخر على غرار كل من آدم سميث و مالتس بترك مجال الحرية الاقتصادية و السماح لاستيراد القمح من البلدان الخارجية ( العالم الخارجي ) . و أن أي تدخل من الدولة في الشؤون الاقتصادية يعمل على تعقيد المسألة الاقتصادية في المجتمع حصراًً . و بفضل السياسة الحرة ( الليبرالية ) يمكن تشخيص الأوجاع التي تعانيها الإنسانية .
فإذا كان الأمر ليس على ما يرام ، فإن البديل عنه هو : دعه يعمل ، دعه يمر ... و ذلك هو السبيل المضمون . "
المطلب الأول : رأي ريكاردو في وظيفة علم الاقتصاد

" رأينا أن سميث يحدد وظيفة علم الاقتصاد في العوامل التي تؤدي زيادة الثروة أي زيادة الرفاهية المادية للجنس البشري و بناءاًً على ذلك كان الموضوع الرئيسي للاقتصاد عند سميث هو الإنتاج أما ريكاردو فيقرر أن وظيفة الاقتصادي هي البحث عن القواعد التي تحكم توزيع الناتج بين طبقات المجتمع و لذلك فإن الموضوع الرئيسي لعلم الاقتصاد عند ريكاردو هو التوزيع . "

" و يعود الاختلاف الملحوظ بين سميث و ريكاردو عن وظيفة علم الاقتصاد إلى البيئة التي عايشها كل منهما فآدم سميث كان يعايش المرحلة الأولى من الثورة الصناعية ( أي بدايتها ) و كانت المشكلة الأساسية آنذاك هي تنظيم الإنتاج ونموه ، أما دافيد ريكاردو فلقد عايش المرحلة الثانية من الثورة الصناعية ( نهايتها ) و كانت المشكلة الأساسية آنذاك هي مشكلة توزيع الدخل على مستوى الاقتصاد ككل بين العمال و أصحاب رأس المال و أصحاب الأراضي الزراعية .
و في نفس الوقت كانت هذه المرحلة تتسم بزيادة ملحوظة في الإيجارات الزراعية ( الريع ) ومن تم كان الاختلال في توزيع الدخل بين الزراعة و الصناعة من الموضوعات التي شغلت بال الاقتصادي أي أنه كان هناك عدم تفاهم بين ملاك الأراضي الزراعية و طبقة رجال الصناعة .
و يلاحظ أن ريكاردو تأثر في تفكيره الاقتصادي الخاص بتوزيع الدخل بحياته الخاصة من مجال الصناعة إلى مجال الزراعة حيث كان يرى انه مجال مربح ."
المطلب الثاني : نظرية الريع لريكاردو

" يقرر ريكاردو أن مستوى الريع يتحدد بحالة الطلب على المنتجات الزراعية ، ذلك لأن حجم الطلب على المنتجات الزراعية هو الذي يحدد أسعار السلع الزراعية . "

" التحليل المذكور آنفاًً يتوقف على أساس أن عرض الأرض ثابت وبالتالي فإن إنتاجها ( الأرض ) من السلع الزراعية محدود ، فإذا زاد الطلب على السلع الزراعية فإن هذا سوف يؤدي إلى ظهور فائض يحصل عليه ملاك الأراضي .
و يقول ريكاردو أن الريع لا يدخل ضمن نفقات الإنتاج و إنما هو نتيجة لانحراف السعر عن نفقة الإنتاج و يلاحظ أن نظرية الريع لدى ريكاردو اعتمدت على فكرة الندرة و فكرة التفاوت بين الأراضي الزراعية من حيث الجودة فزيادة الطلب على المنتجات الزراعية عموماًًً يزيد الطلب على الأراضي الزراعية المحدودة فينشأ لنا بذلك ريع الندرة ، وهناك بعد ذلك الريع التفاضلي ذلك لأن الأفراد بطبيعة الحال يفضلون الأرض الأكثر جودة و هي الأكثر ندرة حتماًً و يفترض أنه في ظل أسعار معينة فإن إيراد هذه الأرض سوف يغطي تكلفة زراعتها فقط فلا تحصل على ريــع ، و بطبيعة الحال يزيد طلب المجتمع على المنتجات الزراعية فيؤدي هذا إلى زرع أرض أقل جودة وهذه أيضاًً سوف تحصل على إيرادات تغطي تكلفة زراعتها . لكن في هذه الظروف سوف تتمكن الأرض الأكثر جودة من تحقيق ريع صافًً لأن تكلفة زراعتها أقل ، و هذا الريع التفاضلي . فإذا زرع المجتمع أرضاًًُ أقل جودة من الثانية فإن هذه الأخيرة سوف تحصل على ريع ،
وتحصل الأرض الأكثر جودة على ريع أكبر بينما الأرض الحدية أو الأخيرة لا تحصل على ريع "




المطلب الثاني : نظرية الأجور

" يقرر ريكاردو أن الأجور تحدد بمستوى الكفاف و الأجر الكفاف هو الأجر الذي يكاد يكفي العامل لضمان معيشته "

" و في العلاقة بين الأجور و الأرباح نجد أن ريكاردو يختلف قليلاًً مع آدم سميث بحيث أن آدم سميث يقول أن زيادة أجور العمال تؤدي إلى انخفاض إيرادات أصحاب رأس المال ( الأرباح ) أي كلما زادت الأجور قلت الأرباح ، ولكن من جهة أخرى يقرر ريكاردو أن الصلة بين الأرباح و الأجور تحدد أساساًً بارتفاع أجور العمال كنتيجة أسعار المواد الغذائية و هذا يؤدي إلى زيادة الأجور و تنخفض أرباح رجال الصناعة نتيجة لهذا ، و كذلك لارتفاع أسعار الخدمات المستخدمة في الإنتاج الصناعي و معظمها من القطاع الزراعي . "

المطلب الثالث : نظرية التجارة الخارجية

" أبدى الكلاسيكيين اهتماما كبيراًً بالتجارة الخارجية و لكن ليس على نفس الأسس المركنتالية على الإطلاق فآدم سميث الذي اهتم بالسوق و أعتبرها المحدد الأول للنمو الاقتصادي حيث تزداد إمكانية تقسيم العمل مع كل اتساع في حجم السوق أكد أهمية التجارة الخارجية في توزيع الفائض من الإنتاج الصناعي ( نظرية الفائضVent of Surplus ) و على ذلك فإن اهتمامه بالقوى المحددة لنمو الإنتاج الحقيقي ، و ليس المعدن الحقيقي ، وليس المعدن النفيس . "
" لكن من جهة أخرى يتعصب دافيد ريكاردو وبشدة عن مبدأ حرية التجارة الخارجية لأنها مقيدة لجميع الأطراف المشاركة فيها ، كما أنها أداة أساسية لتغلب على مشكلة الانخفاض المستمر في معدل الأرباح و لا يمكن أن يرتفع إلا إذا انخفضت الأجور و قد قدم ريكاردو في النفقات النسبية أو النفقات المقارنة التي لخصها في مثاله الشهير عن التجارة بين البرتغال و إنجلترا و الذي يمكن تبسيطه على النحو التالي : نفترض أن كلاهما يقوم باستخدام موارده الاقتصادية في إنتاج سلعتين هما : المنسوجات و الذهب . ثم يفترض ريكاردو بعد ذلك أن إنتاج وحدة من المنسوجات في السنة يحتاج إلى عمل 100 رجلاًً في إنجلترا ، و لكن في البرتغال 90 رجلاًً .
و أن إنتاج وحدة من الذهب في السنة يحتاج إلى 120 رجلاًً في إنجلترا و لكن إلى 80 رجلاًًُ في البرتغال .
فإذا أنتجت انجلترا حاجتها من المنسوجات و الذهب أتت تكلفتها إلى 220 وحدة عمل . و أتت تكلفة الإنتاج لدى البرتغال إلى 190 وحدة عمل و نلاحظ الآن أن البرتغال متفوقة نوعاًً في إنتاج الذهب بالرغم أنها متفوقة في إنتاج السلعتين .
لذا الأحسن على البرتغال أن تتخصص في إنتاج الذهب و تترك المجال لإنجلترا لإنتاج المنسوجات . و يلاحظ أن ريكاردو قد قيم نفقات إنتاج السلع بوحدات من العمل و ذلك لاستناده إلى نظرية القيمة للعمل . "

و لزيادة التوضيح :

نفقات الإنتاج مقدرة بوحدات العمل
وحدة من المنسوجات وحدة من الذهب
إنجلترا 100 120
البرتغال 90 80

المبحث الثالث : نظريات جون ستيوارت ميل
جون ستيوارت ميل ( 1806-1873)
" جون ستيوارت ميل هو فيلسوف واقتصادي بريطاني، ولد عام 1806 م، وهو من رواد الفلسفة الليبرالية، وترى الفلسفة الليبرالية في الإعلام أنها تقوم بتزويد الجماهير بالحقائق المجردة، بهدف بناء عقولهم بناء سليماً بصورة طبيعية، وأن المعلومات التي يجب أن تتناولها أجهزة الإعلام يجب أن تتسم بالموضوعية، كما أن الفرد في ظل هذه الفلسفة يتمتع بحرية مطلقة، ويستطيع أن يفعل ما يحلو له، وليس لأحد التدخل في شؤونه وحياته.

وفي هذا يقول جون ستيوارت ميل: (إن البشر جميعًا لو اجتمعوا على رأي، وخالفهم في هذا الرأي فرد واحد، لما كان لهم أن يسكتوه، بنفس القدر الذي لا يجوز لهذا الفرد إسكاتهــم حتى لـو كانت لــه القـــوة والسلطة ).

ويبرر جون ستيوارت ميل ذلك بقوله: (إننا إذا أسكتنا صوتاً فربما نكون قد أسكتنا الحقيقة، وإن الرأي الخاطئ ربما يحمل في جوانحهِ بذور الحقيقة الكامنة، وإن الرأي المجمع عليه لا يمكن قبوله على أسس عقلية إلا إذا دخل واقع التجربة والتمحيص، وإن هذا الرأي ما لم يواجه تحديًا من وقت لآخر فإنه سيفقد أهميته وتأثيره ).

توفي عام 1873م.
من مؤلفاته
* مبادئ الاقتصاد السياسي.
* نظام المنطق. "
المطلب الأول : رأي جون ستيوارت ميل في العمل المنتج

"منذ أن بدأ ميل كتابه في الاقتصاد كان يبدو واضحاً أنه على استعداد لتغيير بعض المصطلحات الكلاسيكية الشائعة "
" وكذلك من بين مقالاته الشهيرة إحداهما تحدثت بتحليل معنى العمل المنتج و غير المنتج ، ومن بين الأعمال التي يعتبرها ميل منتجة هي عملية التدريس لأنها تزيد المهارة العمالية ويعتبر ميل كذلك أن العمل المنتج يعد عملاًً منتجاًً إذا زاد ذلك كفاءة و خبرة العمال والزيادة كذلك يجب أن نلمسها في كمية السلع . وكذلك من بين الأعمال التي ناقشها ميل هي الفكرة التقليدية التي تقضي بأن الحكومة تقوم بأعمال غير منتجة ، و أعطى البديل بأنه لا فرق بين الأعمال التي يقوم بها المزارعون مثل إقامة الأسوار أو الحفر حول المزرعة ، وبين تلك الأعمال التي يقوم بها رجال البوليس أو تقوم بها المحاكم لحماية إنتاج المزرعة . وأنتقد ميل هذه الفكرة أبعد من ذلك حيث ناقش أن هناك أنواعاًًً من العمل تؤدي فعلاًً
إلى زيـــادة في السلع المنتجة ، ولكنها مع ذلك تعتبر أعمالاًً غير منتجة . فهو يقول في إحدى مقالاته ـن العمل المنتج بالتعريف الكلاسيكي التقليدي قد يؤدي إلى ان تصبح الأمة أفقر مما كانت مما عليه إذا كانت هذه السلعة غير مطلوبة اجتماعياًً بصورة مباشرة ."
المطلب الثاني : نظرية القيمة
" من مناقشته في نظرية القيمة نجد أن ميل قد تقدم خطوة عن غيره من الكتاب الكلاسيكيين السابقين حين أبرز عنصر رأس المال " مما سبق ذكره نجد أن دافيد ريكاردو لم يتعارض مع فكرة آدم سميث التي تقضي إلى أن تنسب القيمة التبادلية إلـــى كمية العمل المبذول في إنتاجها ، بالرغم من اعتراف ريكاردو بعنصر رأس المال و أهميته في الإنتاج إلا انه اعتبر هذا العنصر ليس إلا عملاًً مدخراًً .
أي أن ريكاردو كان يـــدافع عموماًً عن منطق نظرية العمل في تحديد القيمة . لقد تطورت بعد ذلك نظرية القيمة بصورة ملموسة على يد ميل حيث أنه أخد في الاعتبار وبصورة مباشرة عنصر رأس المال و تكلفة استخدامه كأحد المسائل الأساسية المحددة لقيمة السلعة بجواز تكلفة العمل .
و الخلاصة التي نستنتجها هي أن نظرية القيمة تطورت على يد ميل من نظرية تعتمد على قيمة العمل إلــى نظرية نفقة الإنتاج Cost of production تأخذ في الحسبان تكلفة العمل و رأس المال وعوائد المخاطرة و تنظيم الإنتاج . و بالنسبة إلى المصطلحات الكلاسيكية الخاصة بالأسعار نجد أن ميل لا يعترض مع الأفكار الخاصة بالسعر الطبيعي و سعر السوق . ولكنه يحدد معنى السعر الطبيعي بقوله أنه يمثل سعر السوق في حالة التوازن في الأجل الطويل ، و انه باستبعاد احتمال الاحتكار فإن السعر الطبيعي سوف يساوي نفقة الإنتاج عادة . "

المطلب الثالث : الأجور
" الأجر salaire في اللغة هو الثواب والمكافأة، وكلمة الأجر تدل على معنيين متقاربين: معنى ديني يفيد الجزاء على العمل الصالح أو الثواب والمكافأة، على نحو ما جاء في القرآن الكريم: )إنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ المُصْلِحِين( (الأعراف - 170)، ومعنى اقتصادي يعني الجزاء على العمل فهو بهذا المعنى قيمة قوة العمل البشري أو بدلها مادياً كان أم غير مادي.
وكلمة الأجر وجمعها أُجور تبدو دخيلة على اللغة العربية وتعود، على الأرجح، إلى أصل أَكَدي دخلت العربية عن طريق الأكدية منذ العصر الجاهلي، وخضعت لأحكام العربية في الاشتقاق والتصريف، بدخولها القرآن الكريم في أكثر من موضع وآية.
والأجر بالمفهوم الاقتصادي هو المبلغ الذي يدفع للعامل مقابل قيامه بعمل ما أو عند تنفيذ هذا العمل لحساب شخص آخر. ويتوسع بعضهم في مفهوم الأجر حتى يشمل جزءاً من دخل صاحب المشروع الذي يقوم بإدارته بنفسه وذلك لقاء قيامه بالعمل تنظيماً أو إدارةً. وذهب بعض فقهاء المسلمين إلى عدم جواز انفصال الملكية عن العمل وعدّوا العمل فريضة وواجباً يمليه الشرف معتمدين على قول الرسول r «ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده» وقوله: «لأن يحتطب أحدكم حزمةً على ظهره خير له من أن يسأل أحداً فيعطيه أو يمنعه» وقوله: «أفضل الكسب بيع مبرور وعمل الرجل بيده». "
نظريات الأجور
" تعد نظرية الأجور أهم موضوعات علم الاقتصاد فمنذ بداية القرن التاسع عشر, أي منذ نشأة علم الاقتصاد كانت المدرسة الاقتصادية التقليدية Classique الإنكليزية (دافيد ريكاردو وآدم سميث[ر. سميث (آدم-)]) تسعى لتقرير حد توازن ثابت يستقر عنده مستوى الأجر في تقلباته في مدة قصيرة. وقد ذهب دافيد ريكاردو[ر. ريكاردو (ديفيد-)] David Ricardo إلى أنّ مستوى توازن الأجور يتعادل مع الحد الأدنى الضروري للحياة. وانطلاقاً من نظرية ريكاردو هذه صاغ لاسال. F. Lassalle قانون الأجور الحديدي وطور ماركس نظريته في العمل والأجر، إذ فرق بين العمل الضروري الذي ينتج العامل في أثنائه قيمة قوة عمله ويتقاضى مقابله أجراً، والعمل الزائد الذي يعود إنتاجه إلى الرأسمالي مالك وسائل الإنتاج [ر. القيمة]. وتقسم نظريات الأجور إلى مجموعتين: مجموعة النظريات الليبرالية البرجوازية في الأجور والنظرية

الماركسية في الأجور.
النظريات الليبرالية في الأجور: تنطلق النظريات الليبرالية في الأجور من مبدأ الحرية الاقتصادية القائم على أساس أن آلية السوق هي المنظم الوحيد للأسعار والمحدد للنشاط الاقتصادي [ر. السوق (اقتصاد -)]. وتقوم هذه النظريات على عدم التفريق بين العمل وقوة العمل، وهي تعالج الأجر على أنه ثمن العمل الذي يبيعه العامل من صاحب العمل، وهكذا يرى الاقتصاديون الليبراليون أنصار الحرية الاقتصادية أن العامل يبيع كمية معينة من العمل، أي عدداً من ساعات العمل اليومية، مقابل أجر نقدي أو عيني يتفق عليه فردياً أو جماعياً مع صاحب العمل بحرية تامة أو بتدخل من الحكومة أو المنظمات الأخرى ورعايتها.
ويختلف الاقتصاديون الليبراليون فيما بينهم حول عوامل تحديد الأجر، فقد ظهرت عدة نظريات في هذا الشأن منها: "

" نظرية الحد الأدنى لمستوى المعيشة: يرى أنصار هذه النظرية أن مستوى الأجور يتحدد بما يعادل قيمة المواد والحاجات الضرورية لمعيشة العامل في الحد الأدنى. ويقولون إن حركة العرض والطلب في سوق العمل كفيلة بالمحافظة على الأجور مدة طويلة في مستوى الحد الأدنى للمعيشة اللازم للمحافظة على حياة العامل. وواضع أسس هذه النظرية هو الاقتصادي الفرنسي تورغو Turgot وتبناها في منتصف القرن التاسع عشر الاقتصادي والزعيم العمالي الألماني لاسال ودافع عنها وسماها «القانون الحديدي للأجور». وبحسب هذا القانون إذا ارتفع مستوى الأجور عن الحد الأدنى الضروري للحياة وتحسنت الحالة المعيشية للعمال فإنهم يميلون إلى التزاوج فتكثر بذلك الولادات، ويزداد عدد العمال ويزداد بالتالي عرض العمل في السوق، مما يقود إلى انخفاض مستوى الأجور إلى الحد الأدنى الضروري للمعيشة أو حتى إلى أدنى منه مؤقتاً. ولكن الأجور لا يمكن أن تبقى مدة طويلة في مستوى أقل من الحد الأدنى الضروري للمعيشة لأن العمال، في هذه الحالة لا يستطيعون إعالة أسرهم فيحجمون عن الزواج وتقل الولادات فينخفض عرض العمل في السوق وترتفع الأجور إلى مستواها السابق أو إلى أعلى منه. وهكذا فإن حركة العرض والطلب في سوق العمل تجعل الأجور، في رأي أنصار هذه النظرية، تراوح في حركتها حول مستوى الحد الأدنى الضروري للمعيشة، أي ما يعادل قيمة المواد والحاجات الضرورية لمعيشة العامل."
المطلب الرابع : قوانين الإنتاج و التوزيع
" لعل من أهم مساهمات ميل في التفكير الكلاسيكي إعادة شرح القوانـــين التي تحكم النشاط الاقتصادي عموماًً و توزيع الدخل على وجه الخصوص .
ومن جهة أخرى و بالعموم نجد أن ميل يشارك غيره من الكلاسيك في العديد من النتائج عن النمو الاقتصادي و أثره المحتمل في إعادة توزيع الدخل . بقد وافق على أن النمو الاقتصادي عادة ما يكون مصحوباًً بارتفاع الريع و باتجاه الأرباح إلــى الانخفاض و اتجاه الأجــور النقدية ( وليس الحقيقية ) إلــى الارتفاع ، و لكن ميل نـــاقش أيضاًً أن هناك عوامل معينة قد تؤدي إلـــى التحسن في وضع الطبقة العاملة . "
" و يميز ميل بين نوعين من القوانين الاقتصادية :
النوع الأول :
هو تلك القوانين التي تحكم الإنتاج وهذه الأخيرة تتحدد بقوى خارجة عن إرادة الإنسان ، فهي تحدد بالطبيعة و التقدم التكنولوجي . و الإنسان في رأيه لا يسعه إلا أن يخضع لعمل هذه القوانين و ينظم مجهوداته في دائرتها حيث لا يستطيع تغييرها .
النوع الثاني :
هو تلك القوانين التي تحكم توزيع الناتج الاجتماعي و هي ذات طبيعة مختلفة فالإنسان في هذه الحالة يستطيع أن يغير من هذه القوانين و يعيد تنظيمها . وفي إثباته لوجهة نظره في هذا المجال قام ميل بدراسات منفصلة عن أنواع من التنظيمات الاجتماعية و تنظيمات التوزيع الذي يقترن به و لم يكن ما يسعى إليه ميل ببساطة هو إثبات أن هناك طرقاًًً متعددة لتوزيع دخل المجتمع ، لكنه كان يريد أن يقول بعبارة أخرى يمكن لأي مجتمع أن يعيد النظر في طريقة توزيع الدخل على أفراده "



الفصل الثالث . نقد المدرسة الكلاسيكية

المبحث الأول : الإفـــراط في الإنتاج
" لم يحدث لتطور الاقتصاد السياسي الكلاسيكي ، في النصف الأول من القرن الثامن عشر - ق 18- ، أن أدى إلى نظرية في << الدورة >> . إذ أعتبر الاقتصادي الكلاسيكي ظروف الإفراط المؤقت في الإنتاج على أنها تتطلب فترات من التكيف ، على الأقل في بعض الصناعات . و قبيل عصر ريكاردو ، فإن ظاهرة الرخاء المصاحب للحرب ، وما تلاها من كساد .كانت أمراًً معروفا جيداًً . بل إن ريكاردو نفسه قد ناقش << التحولات >> révulsions في الصناعة التي تتسبب فيها التغيرات في قنوات الصناعة ، بما يتطلبه ذلك من انحرافات في رأس المال المستثمر . كما أشار ريكاردو إلى أهمية النسبة بين رأس المال الثابت و رأس المال العامل في هذا الاعتبار .
ويمكن أن يقال أن الفكر الكلاسيكي في باكورة ظهوره ، يوحي بما يمكن أن يطلق عليه { نظرية الإفراط الجزئي في الإنتاج } بشأن أحوال الركود الوقتي في ميدان الأعمال . غير أنه لم يكن لدى الكلاسيك الأوائل إحصاءات أو سجلا عن الدورة ، و فوق كل شيء كانوا مستغرقين في تطوير نظرية ( إستاتيكية ) في القيمة و التوزيع مؤسسة على اتجاهات المدى الطويل . "
المبحث الثاني : نــــقص في الاستهلاك
" و مع ذلك اختلف توماس روبرت مالتس ، أحد الكلاسيكيين الأوائل مع هذا التيار الفكري الكلاسيكي من نواحٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍ عديدة ، وقادته نظريته في السكان مبكراًً جداًً ، في القرن التاسع عشر إلى تقرير نوع من نظرية حقيقية في الدورة ، تنبنى حول العلاقة بين السكان و الغذاء و تدور حول توازن يتدفق في كنفه من الطعام ما يكفي بالكاد لإعـــالة عدد ثابت من السكان . فضلا عن ذلك ، فقد ركز مالتس على الإستهلاك و الطلب إلى حد القول بإن المشكلة الإقتصادية هي في الأساس مشكلة [ الطلب الفعال ] .
ومن الثابت أن قبول فكرتي الإفلارط في الإنتاج و التركيز على الإستهلاك كتفسير كلاسيكي لنشوء الأزمات ، كان البداية التي قادت المفكر الإشتراكي سيسموندي و غيره من الإشتراكيين الأوائل ، إلى نقد الاقتصاد الكلاسيكي .
يبدأ سيسموندي تحليله بالدخل القومي الكلي ، و يجعل الأزمات متوقفة على فشل هذا الدخل في أن يشكل ما يكفي لشراء الناتج الكلي . ولكن وراء هذا الفشل يكشف سيسموندي عن توزيع للثروة بعيد عن المساواة ، بما بما يستتبعه من دخول منخفضة للسواد الأعظم من الطبقة العاملة .
ثم يخلص سيسموندي إلى أن الملكية ـ و ليست الحاجات ـ هي التي تحكم الإنتاج ، وهذا مما ينشأ عنه ميل الإستهلاك إلى التخلف عن الإنتاج ."
النقص في الاستهلاك بسبب السلع الرأسمالية
" و خلال هذه الفترة من نظرية الدورة ، فإن المقابل المنطقي لنظرية الإفراط في إنتاج السلع الرأسمالية هو نظرية في النقص العام في الاستهلاك بسبب ( استخدام المدخرات من أجل صنع السلع الرأسمالية ) و قد تسمى هذه النظرية نظرية : ( نظرية الإفراط في الادخار ) Oversaving في معنى ( عدم الاستهلاك ) consumer ـnot . ومن هنا فإن نظرية كهذه تقف في تعارض واضح مع الاتجاه الكلاسيكي في تأكيده على الإنتاج ( أو الإفراط في الإنتاج ) كما تميل إلى التضارب مع الفرضية الكلاسيكية التي مفادها أن الادخار مصاحب لإنتاج السلع الرأسمالية ، و من ثم فهو أمر مرغوب . "







الخــــــــاتمة


الآن وقد وصلنا إلى نهاية بحثنا ( المدرسة الكلاسيكية ) نرجو أن نكون قد وفقنا في الإلمام بكل جوانب هذه المدرسة و ما يخصها من نشأة و مؤسسون و من نظريات و تحليل و من سياسة و نقد .
و مهما مر من السنين على هذه المدرسة بقيت و ستبقى أهم و أكبر خطوة خطاها الاقتصاد نحو التقدم و التطور ، و من هنا أصبح علم الاقتصاد علم قائم بذاته و انفصاله عن بقية العلوم الأخرى فمن هنا أظهرت الثورة الصناعية ذلك الانقلاب العظيم في عالم التصنيع و من هنا ظهرت الحرية الفردية في الرأسمالية التي لا تزال إلى يومنا هذا السياسة الناجعة للدول المتقدمة ومن هذه المدرسة ظهرت مفاهيم جديدة للمصطلحات الاقتصادية : العمل ، القيمة ، الأجور ، الأرباح ،
الإنتاج و عناصره






 المــــــــــــراجع 


الكتب :
تطور الفكر الاقتصادي الجزء الأول /1
تطور الفكر الاقتصادي الجزء الثاني /2
/ الاقتصاد السياسي 3
الإنترنت :
http://www.arab-ency.com/index.php
doc.abhatoo.net.ma/IMG/doc/28_nov_2.doc
ويكيبيديا الموسوعة الحرة
http://www.moheet.com/show_news.aspx?nid=141351&pg=67

التمهيد
الفصل الأول : نشأة الفكر الكلاسيكي
المبحث الأول : الثورة العلمية التقنية
المبحث الثاني : الثورة الفرنسية
المبحث الثالث : الثورة الصناعية
الفصل الثاني : أهم رواد المدرسة الكلاسيكية و نظرياتهم
المبحث الأول : نظريات آدم سميث ( 1723-1790 )
المطلب الأول : الثروة عند ادم سميث
المطلب الثاني : فكرة تقسيم العمل لسميث
المطلب الثالث : الأرباح و الأجور و الريع
المطلب الرابع : نظرية آدم سميث في النمو
المبحث الثاني : نظريات دافيد ريكاردو ( 1772- 1823 )
المطلب الأول : رأي ريكاردو في وظيفة علم الاقتصاد
المطلب الثاني : نظرية الريــــــــــــع لريكاردو
المطلب الثالث : نظريـــــــة الأجـــــــــور
المطلب الرابع : نظريــــــــة التجارة الخارجية
المبحث الثاني : نظريات جون ستيوارت ميل ( 1806-1873)
المطلب الأول : رأي ميل في العمل المنتج
المطلب الثاني : نظريــــة القيمة
المطلب الثالث : الأجــــــــــــور
المطلب الرابع : قوانين الإنتاج و التوزيع
الفصل الثالث : نقد المدرسة الكلاسيكية : .............................................24
المبحث الأول : الإفـــراط في الإنتاج
المبحث الثاني : نــــقص في الاستهلاك
المبحث الثالث : النقص في الاستهلاك بسبب السلع الرأسمالية
الخـــــــــــــاتمة :
المــــــــــــراجع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أمير الإحساس
صاحب الموقع
صاحب الموقع
أمير الإحساس


عدد المساهمات : 935
تاريخ الميلاد : 11/11/1991
العمر : 33
الموقع : http://etude40.fanbb.net/

 المدرسة الكلاسيكية و النيوكلاسيكية في الإقتصاد السياسي Empty
مُساهمةموضوع: رد: المدرسة الكلاسيكية و النيوكلاسيكية في الإقتصاد السياسي    المدرسة الكلاسيكية و النيوكلاسيكية في الإقتصاد السياسي Emptyالسبت فبراير 14, 2015 12:23 am

المدرسة النيوكلاسيكية [ الحدية ] :

تعتبر هذه المدرسة امتدادا للمدرسة الكلاسيكية، لأنها تؤمن باللبيرالية كمنطق للنشاط الاقتصادي، و لكنها تختلف عنها في نقطتين مهمتين ألا و هما : في طريقة التحليل و نظرية القيمة .لذلك يعتبر الاقتصاديون المدرسة الحدية، بمثابة مدرسة كلاسيكية حديثة " New Classics ". و لقد ظهرت هذه المدرسة على مستوى ثلاث جامعات سنة 1871. و هذا عن طريق ثلاث مفكرين اقتصاديين و هم : كارل مانجر بالنمساCarl Menger-و" ولراس-WALRASفي لوزان بسويسرا و"ستالي جيفنس- Jevons Stanlay بكامبردج بانجلترا .ثم تلاهم عدد من المفكرين فيما بعد، و من المبادئ التي انطلقت منها هذه المدرسة يمكن الإشارة إلى ما يلي :
- يعتبرالحديون أن قيمة المواد تتحدد من خلال منفعتها و ليس من خلال العمل المنفق من أجل إنتاجها، بمعنى آخر، أن قيمة سلعة تزيد عن قيمة سلعة أخرى، لأن منفعتها بالنسبة للمستهلكين أكبر من السلعة أو المادة الثانية و العكس صحيح .إذن، فان قيمة المواد تتحدد استنادا إلى النيوكلايسك، بمنفعتها الحدية لا بالعمل. و المنفعة الحدية بالنسبة لهم، هي المنفعة المترتبة عن استهلاك آخر وحدة من السلعة المستهلكة. و هذه المنفعة تخضع للتناقص.و نشير إلى أن هذه المنفعة تتحدد بندرة السلعة محل الاعتبار.و قد استطاعت النظرية الحدية، اعتمادا على مفهوم الندرة أن تفسر لماذا تنخفض قيمة الماء و الهواء و الشمس مثلا، رغم ارتفاع قيمها الاستعمالية .
- استعمال هذه المدرسة للأسلوب الحدي في البحث الاقتصادي، و لقد استعمل ريكاردو هذا الأسلوب قبل الحديين في نظريته المعروفة " بالريع- la rente ". بحيث أعتبر أن الأرض الحدية، أو آخر أرض مستغلة هي مصدر الريع، أي يتعلق البحث الحدي بمعرفة معطيات الوحدات الأخيرة، مثال على ذلك عندما نقول الأجر الحدي، فهو أجر آخر عمل، و عندما نقول السعر الحدي، فنقصد به، سعر آخر وحدة .
مكافأة عناصر الإنتاج تتوقف على إنتاجيتها الحدية .
التحليل الحدي يتم في إطار اقتصاد مجرد، بعيد عن الحياة العادية و الذي ينطبق على مجتمع اقتصادي أو رجل اقتصادي، خاضع لأحكام و قوانين عقلانية، التي تدفعه للقيام بتصرفات يومية قصد المصلحة الشخصية، أو بمعنى آخر، ذلك الرجل الاقتصادي الذي يسعى لتحقيق أكبر نفع ببذل أقل جهد, و يعمل في إطار المنافسة التامة .
- استعمال الحديين للرياضيات في تحليلهم، حيث كانوا أول من استعمل نظرية الاقتصادي الفرنسي " كورنو" سنة 1838 و التي جاءت في أحد كتبه المعنون " المبادىء الرياضية لنظرية الثروات ".
و يمكن دراسة تطور أفكار و آراء المدرسة النيوكلاسيكية [ الحدية ]، من خلال آراء أكبر روادها أو اتجاهاتها و عل رأسهم :
المدرسة النمساوية-كارل مانجر-

1- تتميز هذه المدرسة برفضها كل التحاليل التي جاء بها الكلاسيك. و لقد اشتهر من بين المؤلفين الذين ينتمون إلى هذه المدرسة النمساوية ثلاثة أسماء و هي :
- كارل منجرCarl Menger: اهتم هذا المفكر في دراساته التي صدرت في فيينا سنة 1871 بنظرية الخيرات و نظرية القيمة، فهو يرى أن الخيرات لا يمكن أن يكون لها وجود ملموس، الا اذا قابلتها منفعة أو حاجة بشرية لها .
و من هذا المنطلق فهو يقسم الخيرات إلى قسمين: خيرات حرة [ مجانية ] كالهواء، و خيرات اقتصادية [ مربوطة بقيمة ] كالسلع . أما قيمة هذه الخيرات فتقاس حسب رأيه حسب درجة الأهمية التي يعطيها المستهلك .
- بون بافرك "Bohm Bawerk": استعمل نفس الطريقة التي استعملها " مانجر"، و لكنه ركز أكثر على نظرية المنظم، حيث اعتبر هذا الأخير بمثابة محور النمو الاقتصادي و قائد التقدم البشري. نظرا لما يتمتع به هذا المسير من خصال شخصية. و في هذا الإطار، تطرق "بوم بافراك" إلى ضرورة التفرقة بين الربح و الفائدة على أساس أن الربح عائد خاص بالتنظيم. أما الفائدة فهي عائد خاص بالرأسمال.
-فون فيزر VON WISER:
اهتم بالإنتاجية الحدية لعوامل الانتاج، أي انتاج آخر وحدة مستعملة من رؤوس الأموال ، كالعمل، مثلا معرفة قيمة هذه الانتاجية شىء ضروري، لأنه بمعرفة نسبة كل عامل من عوامل الانتاج داخل كل انتاج .
ب.مدرسة لوزان:
تتمثل هذه المدرسة في أعمال المفكرين الاقتصاديين "ليون ولراس-Léon Walras" فرنسي الأصل و الايطالي "فيلفريد بريتو-Vilfredo Pareto".
ليون ولراس –Léon Walras: اشتهر هذا المفكر بعدة أعمال، أشهرها : نظرية المبادلة و القيمة و نظرية حول التوازن العام .فيما يخص نظريته الأولى، فانه يعتبر أن المبادلة تنشأ عن تداخل بين ظاهرة الندرة و ظاهرة المنفعة، أو بمعنى آخر، فان الظاهرتين تلعبان دورا هاما في تحديد قيمة المادة، كما يرى أيضا أن المحيط الاقتصادي عبارة عن سوق كبيرة يتوسطه أو يسيره المنظمون الذين يشترون خدمات الإنتاج [ فلاحون، {رأسماليون، عمال]، أن من خلال هذا التعامل العفوي أو التلقائي لهذا النشاط يحدث التوازن العام .هذا بالطبع، من خلال تدخل محددات السوق و المتمثلة في العرض و الطلب .
-ج. مدرسة كامبردج "ستانلي جيفنس: يعد "ستانلي جيفنس –Stanlay Jevonsمن الكتاب النيوكلاسيك [ الحديين ] الثلاثة الذين دشنوا بدراستهم المدرسة الحدية . و لقد انتقد الكلاسيكيين الماركسيين في قولهم أن مصدر القيمة هو العمل .
كما يعد "ألفريد مارشال-Alfred Marshallمن أكبر و أنضج المفكرين الحديين، لأنه استطاع أن يجمع في فرضية واحدة كل ما جاء به الكلاسيك و النيوكلاسيك. بحيث أهتم بقضية الأسعار و القيمة . فجمع بين فكرة الكلاسيكيين و الحديين. فالأولون قالوا : أن القيمة تحدد على أساس كلفة الإنتاج، أي على أسس موضوعية. و الآخرون قالوا، أن مصدرها هو المنفعة، أي أن تتحدد على أسس ذاتية. أما " مارشال" ،فانه يرى أن لكلتا الظاهرتين، دورا في تحديد القيمة، أو بالأحرى، هل التكاليف هي التي تحدد السعر بمفرده، أم المنفعة هي التي تحدده بمفردها. و لكن بالتأكيد، أن كليهما يساهم بقسط في تحديد السعر .
و لتوضيح هذه النقطة بصفة أكثر دقة، يجدر القول أن تحديد الفترة له دور معتبر في معرفة أي عامل من هذين العاملين له تأثير في تحديد السعر.أما في المرحلة التي تكون فيها الفترة طويلة، فتلعب التكلفة الدور الأساسي في تحديد السعر، نتيجة لتغير المعطيات التقنية و ظهور تقنيات جديدة تساعد على التقليل من التكاليف، الشىء الذي يجعل العرض العنصر الأول في تحديد السعر .كما استطاع "ألفريد مارشال" أن يقدم لنا كيفية تحديد السعر أو الأسعار التي تختلف من سوق الى آخر. كما يعد أول من قدم نظرية عامة للأسعار على أساس اختلاف هذه الأسواق من أسواق تكثر فيها المنافسة، الى أسواق تتميز بالصبغة الاحتكارية [ المنحصرة ] .

-6النظرية الكنزية :

لقد دفعت الأزمة الاقتصادية التي مست الاقتصاديات الرأسمالية في سنة 1929 بجون مينار كينز [ John Maynard Keynes 1883-1946] الى تفسير هذه الأزمة في كتاب له يحمل عنوان " النظرية العامة للنقود و الفائدة و الاستخدام " ألفه سنة 1936 .
و لقد بدأ مينر كينز دراسته بتوجيه انتقادات شديدة للنظرية الكلاسيكية. و يمكن تلخيص هذه الانتقادات في النقاط التالية :
- لقد كان الكلاسيك لا يؤمنون بامكانية تعرض الاقتصاد الرأسمالي للبطالة. و اعتقادهم أن الاقتصاد الرأسمالي و ان سادت به بطالة، فانها ستكون مؤقتة ، و سيتم امتصاصها بسرعة، تحت تأثير قانون عرض و طلب اليد العاملة، لكن الواقع الاقتصادي الحديث ، أبطل هذه الأطروحة .
- أعتبر الكلاسيك أنه خلال عملية التبادل ، فان النقود تكون محايدة، و هي مجرد حجاب يغطي الحقيقة، فكأنما السلع يتم تبادلها بسلع أخرى [ عملية المقايضة ]. لكن كينز يرى العكس من ذلك، حيث أعتبر أن النقود تلعب دورا خطيرا في الاقتصاد .
- التحليل الاقتصادي الكلاسيكي يقوم على تحليل تصرفات الأفراد الجزئية، بينما يرى كينز ضرورة اجراء تحليل شامل لمجموع النشاط الاقتصادي .
- كان المذهب الليبيرالي الكلاسيكي يرفض تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية، بينما يرى كينز ضرورة تدخل الدولة، لضمان التشغيل الكامل و رفع مستوى الطلب .

- التفسير الكنزي للبطالة :

لقد عرفت الرأسمالية خلال الفترة الممتدة بين 1810 و 1929 عدة أزمات تميزت بركود النشاط الاقتصادي و ارتفاع نسبة البطالة. و لقد كان الكلاسيك يعتقدون بامكانية الاقتصاد الرأسمالي تجاوز هذه الأزمات العابرة، لو ترك الاقتصاد حرا بدون تدخل الدولة و نقابات العمال في تحديد الأجور . إلا أن الأزمة الاقتصادية لسنة 1929 أبطلت هذه المزاعم ، إذ ارتفعت نسب البطالة إلى مستويات عالية رغم انخفاض الأجور .
يرى كينز على عكس الكلاسيك، أن انخفاض الأجور يؤدي الى نقص طلب العمال على السلع و الخدمات، الأمر الذي يضطر المنتجين الى تخفيض انتاجهم و تقليص عدد العمال الذ1ين يشغلونهم، هذا من جهة ، من جهة أخرى نجد أن توقع المستثمرين الأجور مستقبلا ، سيدفعهم الى تأجيل القيام باستثمارات جديدة على أمل انخفاض الأجور و قد يقومون بتسريح جزء من عمالهم .
بعد انتقاد موقف الكلاسيك من مشكلة البطالة ينتقل كينز الى معالجة هذه المشكلة و اقتراح الحلول الناجعة لها. و في هذا الاطار يرى كينز أن مستوى التشغيل يتحدد بمستوى الانتاج .و هذا الأخير يتححد بمستوى الطلب الكلي الفعال على السلع . و يتكون الطلب الكلي من الطلب على سلع الاستهلاك و الطلب على سلع الاستثمار [ الآلات، التجهيزات و المواد الأولية ] .
1. فيما يخص الطلب على السلع الاستهلاكية، فهو يتحدد بدخل المستهلكين و بعوامل نفسية تحدد مستوى انفاقهم . و لقد لاحظ كينز أن الزيادة الحاصلة في الدخول الضعيفة توجه تقريبا بالكامل الى الاستهلاك [ ارتفاع الميل الحدي للاستهلاك ].في حين أن أصحاب الخول المرتفعة، فانهم لا يوجهون أو يخصصون الا نسبة محدودة من كل زيادة في دخلهم الى الاستهلاك. أما الجزء الأكبر من زيادة مداخلهم فانها توجه الى الادخار. و الادخار هو عنصر انكماشي يؤدي الى تقلص الطلب الاستهلاكي . و اذا لم يوجد ما يعوض هذا النقص في مستوى الاستهلاك، فان الأمر سيدفع بالمنتجين الى تقليص انتاجهم و تقليص عدد العمال، مما يتسبب في ارتفاع نسبة البطالة. لذا لا يمكن تعويض النقص في الاستهلاك , الا من خلال زيادة الطلب الاستثماري .
2. ان الطلب على السلع الاستثمارية يصدر عن المستثمرين . و كل مقاول أو منظم لا يقدم على الاستثمار، الا اذا ضمن تحقيق أرباح . و يعبر مينار كينز عن ذلك بمصطلح الكفاية الحدية لرأس المال . بمعنى أن الرأسمالي لن يقدم على استثمار مبلغ من المال [ شراء عتاد مثلا] ، الا اذا ضمن أن أرباحه ستكون أعلى أو أكبر من سعر الفائدة المدفوع على القرض الموجه لهذا الاستثمار الاضافي .عندما تكون الكفاية الحدية لرأس المال الجديد أكبر من سعر الفائدة على القروض، فان الاستثمار سيكوم مجديا. و تتحدد الكفاية الحدية لرأس المال بعوامل موضوعية[ حجم الاستثمارات و المنافسة داخل الاقتصاد التي تؤدي الى تناقص الأرباح ]، بالاضافة الى العوامل النفسية المرتبطة بتوقعات المستثمرين ،بما سيحدث خلال فترة الاستثمار [ التفاؤل و التشاؤم ] .
و هكذا فان مستوى الإنتاج و مستوى التشغيل يتحددان بمستوى الطلب الكلي على السلع. فزيادة الطلب الكلي على السلع يؤدي إلى زيادة أرباح المنتجين. و هو ما يدفعهم إلى زيادة التشغيل [ و العكس صحيح ] .
الى جانب ذلك ، فان الادخار يمثل حالة انكماشية في الطلب و عدم القدرة على تصريف مجموع الانتاج . و لا يمكن للنشاط الاقتصادي أن يستمر ، الا اذا تم تصريف كل الانتاج . هذا الأمر لا يتم الا اذا تحول الادخار الى استثمار يمتص الفائض من السلع التي تزيد عن حاجة المستهلكين. فاذا كان الاستثمار يساوي الادخار، بقي الانتاج و التشغيل ثابتين عند نفس المستوى . اما اذا زاد الاستثمار عن الادخار فان مستوى الانتاج و التشغيل سيزيد . أما لو قل الاستثمار عن الادخار، فان ذلك سيسبب تناقص الانتاج و التشغيل .
و يرى كينز أن مستوى التشغيل الذي يتحقق داخل المجتمع لن يكون بالضرورة هو مستوى التشغيل الكامل [ الذي يتحقق عندما يكون الاستثمار مساويا للادخار ]، لأن الادخار لا يتحول بالضرورة بكامله الى استثمار، بسبب ضيق مجالات الاستثمار، نتيجة للمنافسة و انخفاض الكفاية الحدية لرأس المال عن سعر الفائدة . و كذلك بسبب تشاؤم المستثمرين . و من ثم فان مستوى الانتاج و التشغيل سيتحددان عند مستوى أقل من مستوى التشغيل الكامل، و يكون حتما هناك مستوى معين من البطالة .
و لحماية النظام الرأسمالي من الآثار السلبية التي ترتبط بالبطالة يطالب مينار كينز بالتناماوال عن جزء من الحرية الاقتصادية و الدعوة الى تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية ، من أجل الرفع من مستوى الطلب الكلي بنوعيه الاستهلاكي و الاستثماري .و يتم رفع مستوى الطلب الاستهلاكي باعادة توزيع المداخيل لصالح أصحاب الدخول المنخفضة و الميول الاستهلاكية المرتفعة ، اضافة الى تقديم الخدمات مجانا أو بأسعار منخفضة للفقراء و ذوي الدخل الضعيف . أما فيما يتعلق بالطلب الاستثماري، فيمكن تشجيعه عن طريق قيام الدولة نفسها بمشاريع استثمارية، تخفيض سعر الفائدة على القروض و محاربة الاحتكارات لمنع ارتفاع الأسعار . PRESENT تعتبر هذه المدرسة امتدادا للمدرسة الكلاسيكية، لأنها تؤمن باللبيرالية كمنطق للنشاط الاقتصادي، و لكنها تختلف عنها في نقطتين مهمتين ألا و هما : في


المدرسة النيوكلاسيكية [ الحدية ] :

- طريقة التحليل و نظرية القيمة .لذلك يعتبر الاقتصاديون المدرسة الحدية، بمثابة مدرسة كلاسيكية حديثة " New Classics ". و لقد ظهرت هذه المدرسة على مستوى ثلاث جامعات سنة 1871. و هذا عن طريق ثلاث مفكرين اقتصاديين و هم : كارل مانجر بالنمساCarl Menger-و" ولراس-WALRASفي لوزان بسويسرا و"ستالي جيفنس- Jevons Stanlay بكامبردج بانجلترا .ثم تلاهم عدد من المفكرين فيما بعد، و من المبادئ التي انطلقت منها هذه المدرسة يمكن الإشارة إلى ما يلي :
- يعتبرالحديون أن قيمة المواد تتحدد من خلال منفعتها و ليس من خلال العمل المنفق من أجل إنتاجها، بمعنى آخر، أن قيمة سلعة تزيد عن قيمة سلعة أخرى، لأن منفعتها بالنسبة للمستهلكين أكبر من السلعة أو المادة الثانية و العكس صحيح .إذن، فان قيمة المواد تتحدد استنادا إلى النيوكلايسك، بمنفعتها الحدية لا بالعمل. و المنفعة الحدية بالنسبة لهم، هي المنفعة المترتبة عن استهلاك آخر وحدة من السلعة المستهلكة. و هذه المنفعة تخضع للتناقص.و نشير إلى أن هذه المنفعة تتحدد بندرة السلعة محل الاعتبار.و قد استطاعت النظرية الحدية، اعتمادا على مفهوم الندرة أن تفسر لماذا تنخفض قيمة الماء و الهواء و الشمس مثلا، رغم ارتفاع قيمها الاستعمالية .
- استعمال هذه المدرسة للأسلوب الحدي في البحث الاقتصادي، و لقد استعمل ريكاردو هذا الأسلوب قبل الحديين في نظريته المعروفة " بالريع- la rente ". بحيث أعتبر أن الأرض الحدية، أو آخر أرض مستغلة هي مصدر الريع، أي يتعلق البحث الحدي بمعرفة معطيات الوحدات الأخيرة، مثال على ذلك عندما نقول الأجر الحدي، فهو أجر آخر عمل، و عندما نقول السعر الحدي، فنقصد به، سعر آخر وحدة .
- مكافأة عناصر الإنتاج تتوقف على إنتاجيتها الحدية .
- التحليل الحدي يتم في إطار اقتصاد مجرد، بعيد عن الحياة العادية و الذي ينطبق على مجتمع اقتصادي أو رجل اقتصادي، خاضع لأحكام و قوانين عقلانية، التي تدفعه للقيام بتصرفات يومية قصد المصلحة الشخصية، أو بمعنى آخر، ذلك الرجل الاقتصادي الذي يسعى لتحقيق أكبر نفع ببذل أقل جهد, و يعمل في إطار المنافسة التامة .
- استعمال الحديين للرياضيات في تحليلهم، حيث كانوا أول من استعمل نظرية الاقتصادي الفرنسي " كورنو" سنة 1838 و التي جاءت في أحد كتبه المعنون " المبادىء الرياضية لنظرية الثروات ".
و يمكن دراسة تطور أفكار و آراء المدرسة النيوكلاسيكية [ الحدية ]، من خلال آراء أكبر روادها أو اتجاهاتها و عل رأسهم :
1. المدرسة النمساوية-كارل مانجر-:
2. تتميز هذه المدرسة برفضها كل التحاليل التي جاء بها الكلاسيك. و لقد اشتهر من بين المؤلفين الذين ينتمون إلى هذه المدرسة النمساوية ثلاثة أسماء و هي :
- كارل منجرCarl Menger: اهتم هذا المفكر في دراساته التي صدرت في فيينا سنة 1871 بنظرية الخيرات و نظرية القيمة، فهو يرى أن الخيرات لا يمكن أن يكون لها وجود ملموس، الا اذا قابلتها منفعة أو حاجة بشرية لها .
و من هذا المنطلق فهو يقسم الخيرات إلى قسمين: خيرات حرة [ مجانية ] كالهواء، و خيرات اقتصادية [ مربوطة بقيمة ] كالسلع . أما قيمة هذه الخيرات فتقاس حسب رأيه حسب درجة الأهمية التي يعطيها المستهلك .
- بون بافرك "Bohm Bawerk": استعمل نفس الطريقة التي استعملها " مانجر"، و لكنه ركز أكثر على نظرية المنظم، حيث اعتبر هذا الأخير بمثابة محور النمو الاقتصادي و قائد التقدم البشري. نظرا لما يتمتع به هذا المسير من خصال شخصية. و في هذا الإطار، تطرق "بوم بافراك" إلى ضرورة التفرقة بين الربح و الفائدة على أساس أن الربح عائد خاص بالتنظيم. أما الفائدة فهي عائد خاص بالرأسمال.
-فون فيزر VON WISER:
اهتم بالإنتاجية الحدية لعوامل الانتاج، أي انتاج آخر وحدة مستعملة من رؤوس الأموال ، كالعمل، مثلا معرفة قيمة هذه الانتاجية شىء ضروري، لأنه بمعرفة نسبة كل عامل من عوامل الانتاج داخل كل انتاج .
ب.مدرسة لوزان:
تتمثل هذه المدرسة في أعمال المفكرين الاقتصاديين "ليون ولراس-Léon Walras" فرنسي الأصل و الايطالي "فيلفريد بريتو-Vilfredo Pareto".
• ليون ولراس –Léon Walras: اشتهر هذا المفكر بعدة أعمال، أشهرها : نظرية المبادلة و القيمة و نظرية حول التوازن العام .فيما يخص نظريته الأولى، فانه يعتبر أن المبادلة تنشأ عن تداخل بين ظاهرة الندرة و ظاهرة المنفعة، أو بمعنى آخر، فان الظاهرتين تلعبان دورا هاما في تحديد قيمة المادة، كما يرى أيضا أن المحيط الاقتصادي عبارة عن سوق كبيرة يتوسطه أو يسيره المنظمون الذين يشترون خدمات الإنتاج [ فلاحون، {رأسماليون، عمال]، أن من خلال هذا التعامل العفوي أو التلقائي لهذا النشاط يحدث التوازن العام .هذا بالطبع، من خلال تدخل محددات السوق و المتمثلة في العرض و الطلب .
-ج. مدرسة كامبردج "ستانلي جيفنس: يعد "ستانلي جيفنس –Stanlay Jevonsمن الكتاب النيوكلاسيك [ الحديين ] الثلاثة الذين دشنوا بدراستهم المدرسة الحدية . و لقد انتقد الكلاسيكيين الماركسيين في قولهم أن مصدر القيمة هو العمل .
كما يعد "ألفريد مارشال-Alfred Marshallمن أكبر و أنضج المفكرين الحديين، لأنه استطاع أن يجمع في فرضية واحدة كل ما جاء به الكلاسيك و النيوكلاسيك. بحيث أهتم بقضية الأسعار و القيمة . فجمع بين فكرة الكلاسيكيين و الحديين. فالأولون قالوا : أن القيمة تحدد على أساس كلفة الإنتاج، أي على أسس موضوعية. و الآخرون قالوا، أن مصدرها هو المنفعة، أي أن تتحدد على أسس ذاتية. أما " مارشال" ،فانه يرى أن لكلتا الظاهرتين، دورا في تحديد القيمة، أو بالأحرى، هل التكاليف هي التي تحدد السعر بمفرده، أم المنفعة هي التي تحدده بمفردها. و لكن بالتأكيد، أن كليهما يساهم بقسط في تحديد السعر .
و لتوضيح هذه النقطة بصفة أكثر دقة، يجدر القول أن تحديد الفترة له دور معتبر في معرفة أي عامل من هذين العاملين له تأثير في تحديد السعر.أما في المرحلة التي تكون فيها الفترة طويلة، فتلعب التكلفة الدور الأساسي في تحديد السعر، نتيجة لتغير المعطيات التقنية و ظهور تقنيات جديدة تساعد على التقليل من التكاليف، الشىء الذي يجعل العرض العنصر الأول في تحديد السعر .كما استطاع "ألفريد مارشال" أن يقدم لنا كيفية تحديد السعر أو الأسعار التي تختلف من سوق الى آخر. كما يعد أول من قدم نظرية عامة للأسعار على أساس اختلاف هذه الأسواق من أسواق تكثر فيها المنافسة، الى أسواق تتميز بالصبغة الاحتكارية [ المنحصرة ] .

-6النظرية الكنزية :

لقد دفعت الأزمة الاقتصادية التي مست الاقتصاديات الرأسمالية في سنة 1929 بجون مينار كينز [ John Maynard Keynes 1883-1946] الى تفسير هذه الأزمة في كتاب له يحمل عنوان " النظرية العامة للنقود و الفائدة و الاستخدام " ألفه سنة 1936 .
و لقد بدأ مينر كينز دراسته بتوجيه انتقادات شديدة للنظرية الكلاسيكية. و يمكن تلخيص هذه الانتقادات في النقاط التالية :
- لقد كان الكلاسيك لا يؤمنون بامكانية تعرض الاقتصاد الرأسمالي للبطالة. و اعتقادهم أن الاقتصاد الرأسمالي و ان سادت به بطالة، فانها ستكون مؤقتة ، و سيتم امتصاصها بسرعة، تحت تأثير قانون عرض و طلب اليد العاملة، لكن الواقع الاقتصادي الحديث ، أبطل هذه الأطروحة .
- أعتبر الكلاسيك أنه خلال عملية التبادل ، فان النقود تكون محايدة، و هي مجرد حجاب يغطي الحقيقة، فكأنما السلع يتم تبادلها بسلع أخرى [ عملية المقايضة ]. لكن كينز يرى العكس من ذلك، حيث أعتبر أن النقود تلعب دورا خطيرا في الاقتصاد .
- التحليل الاقتصادي الكلاسيكي يقوم على تحليل تصرفات الأفراد الجزئية، بينما يرى كينز ضرورة اجراء تحليل شامل لمجموع النشاط الاقتصادي .
- كان المذهب الليبيرالي الكلاسيكي يرفض تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية، بينما يرى كينز ضرورة تدخل الدولة، لضمان التشغيل الكامل و رفع مستوى الطلب .

- التفسير الكنزي للبطالة :

لقد عرفت الرأسمالية خلال الفترة الممتدة بين 1810 و 1929 عدة أزمات تميزت بركود النشاط الاقتصادي و ارتفاع نسبة البطالة. و لقد كان الكلاسيك يعتقدون بامكانية الاقتصاد الرأسمالي تجاوز هذه الأزمات العابرة، لو ترك الاقتصاد حرا بدون تدخل الدولة و نقابات العمال في تحديد الأجور . إلا أن الأزمة الاقتصادية لسنة 1929 أبطلت هذه المزاعم ، إذ ارتفعت نسب البطالة إلى مستويات عالية رغم انخفاض الأجور .
يرى كينز على عكس الكلاسيك، أن انخفاض الأجور يؤدي الى نقص طلب العمال على السلع و الخدمات، الأمر الذي يضطر المنتجين الى تخفيض انتاجهم و تقليص عدد العمال الذ1ين يشغلونهم، هذا من جهة ، من جهة أخرى نجد أن توقع المستثمرين الأجور مستقبلا ، سيدفعهم الى تأجيل القيام باستثمارات جديدة على أمل انخفاض الأجور و قد يقومون بتسريح جزء من عمالهم .
بعد انتقاد موقف الكلاسيك من مشكلة البطالة ينتقل كينز الى معالجة هذه المشكلة و اقتراح الحلول الناجعة لها. و في هذا الاطار يرى كينز أن مستوى التشغيل يتحدد بمستوى الانتاج .و هذا الأخير يتححد بمستوى الطلب الكلي الفعال على السلع . و يتكون الطلب الكلي من الطلب على سلع الاستهلاك و الطلب على سلع الاستثمار [ الآلات، التجهيزات و المواد الأولية ] .
1. فيما يخص الطلب على السلع الاستهلاكية، فهو يتحدد بدخل المستهلكين و بعوامل نفسية تحدد مستوى انفاقهم . و لقد لاحظ كينز أن الزيادة الحاصلة في الدخول الضعيفة توجه تقريبا بالكامل الى الاستهلاك [ ارتفاع الميل الحدي للاستهلاك ].في حين أن أصحاب الخول المرتفعة، فانهم لا يوجهون أو يخصصون الا نسبة محدودة من كل زيادة في دخلهم الى الاستهلاك. أما الجزء الأكبر من زيادة مداخلهم فانها توجه الى الادخار. و الادخار هو عنصر انكماشي يؤدي الى تقلص الطلب الاستهلاكي . و اذا لم يوجد ما يعوض هذا النقص في مستوى الاستهلاك، فان الأمر سيدفع بالمنتجين الى تقليص انتاجهم و تقليص عدد العمال، مما يتسبب في ارتفاع نسبة البطالة. لذا لا يمكن تعويض النقص في الاستهلاك , الا من خلال زيادة الطلب الاستثماري .
2. ان الطلب على السلع الاستثمارية يصدر عن المستثمرين . و كل مقاول أو منظم لا يقدم على الاستثمار، الا اذا ضمن تحقيق أرباح . و يعبر مينار كينز عن ذلك بمصطلح الكفاية الحدية لرأس المال . بمعنى أن الرأسمالي لن يقدم على استثمار مبلغ من المال [ شراء عتاد مثلا] ، الا اذا ضمن أن أرباحه ستكون أعلى أو أكبر من سعر الفائدة المدفوع على القرض الموجه لهذا الاستثمار الاضافي .عندما تكون الكفاية الحدية لرأس المال الجديد أكبر من سعر الفائدة على القروض، فان الاستثمار سيكوم مجديا. و تتحدد الكفاية الحدية لرأس المال بعوامل موضوعية[ حجم الاستثمارات و المنافسة داخل الاقتصاد التي تؤدي الى تناقص الأرباح ]، بالاضافة الى العوامل النفسية المرتبطة بتوقعات المستثمرين ،بما سيحدث خلال فترة الاستثمار [ التفاؤل و التشاؤم ] .
و هكذا فان مستوى الإنتاج و مستوى التشغيل يتحددان بمستوى الطلب الكلي على السلع. فزيادة الطلب الكلي على السلع يؤدي إلى زيادة أرباح المنتجين. و هو ما يدفعهم إلى زيادة التشغيل [ و العكس صحيح ] .
الى جانب ذلك ، فان الادخار يمثل حالة انكماشية في الطلب و عدم القدرة على تصريف مجموع الانتاج . و لا يمكن للنشاط الاقتصادي أن يستمر ، الا اذا تم تصريف كل الانتاج . هذا الأمر لا يتم الا اذا تحول الادخار الى استثمار يمتص الفائض من السلع التي تزيد عن حاجة المستهلكين. فاذا كان الاستثمار يساوي الادخار، بقي الانتاج و التشغيل ثابتين عند نفس المستوى . اما اذا زاد الاستثمار عن الادخار فان مستوى الانتاج و التشغيل سيزيد . أما لو قل الاستثمار عن الادخار، فان ذلك سيسبب تناقص الانتاج و التشغيل .
و يرى كينز أن مستوى التشغيل الذي يتحقق داخل المجتمع لن يكون بالضرورة هو مستوى التشغيل الكامل [ الذي يتحقق عندما يكون الاستثمار مساويا للادخار ]، لأن الادخار لا يتحول بالضرورة بكامله الى استثمار، بسبب ضيق مجالات الاستثمار، نتيجة للمنافسة و انخفاض الكفاية الحدية لرأس المال عن سعر الفائدة . و كذلك بسبب تشاؤم المستثمرين . و من ثم فان مستوى الانتاج و التشغيل سيتحددان عند مستوى أقل من مستوى التشغيل الكامل، و يكون حتما هناك مستوى معين من البطالة .
و لحماية النظام الرأسمالي من الآثار السلبية التي ترتبط بالبطالة يطالب مينار كينز بالتناماوال عن جزء من الحرية الاقتصادية و الدعوة الى تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية ، من أجل الرفع من مستوى الطلب الكلي بنوعيه الاستهلاكي و الاستثماري .و يتم رفع مستوى الطلب الاستهلاكي باعادة توزيع المداخيل لصالح أصحاب الدخول المنخفضة و الميول الاستهلاكية المرتفعة ، اضافة الى تقديم الخدمات مجانا أو بأسعار منخفضة للفقراء و ذوي الدخل الضعيف . أما فيما يتعلق بالطلب الاستثماري، فيمكن تشجيعه عن طريق قيام الدولة نفسها بمشاريع استثمارية، تخفيض سعر الفائدة على القروض و محاربة الاحتكارات لمنع ارتفاع الأسعار
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أمير الإحساس
صاحب الموقع
صاحب الموقع
أمير الإحساس


عدد المساهمات : 935
تاريخ الميلاد : 11/11/1991
العمر : 33
الموقع : http://etude40.fanbb.net/

 المدرسة الكلاسيكية و النيوكلاسيكية في الإقتصاد السياسي Empty
مُساهمةموضوع: رد: المدرسة الكلاسيكية و النيوكلاسيكية في الإقتصاد السياسي    المدرسة الكلاسيكية و النيوكلاسيكية في الإقتصاد السياسي Emptyالسبت فبراير 14, 2015 12:28 am

الاقتصاد السياسي النيوكلاسيكي: المدرسة النمساوية

أشرف منصور
ashrafmansour1@yahoo.com
الحوار المتمدن - العدد: 1782 - 2007 / 1 / 1
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية
راسلوا الكاتب-ة مباشرة حول الموضوع

مقدمة:
يسيطر على علم الاقتصاد منذ النصف الثاني من القرن العشرين اتجاه يسمى بالاقتصاد النيوكلاسيكي، وهو اتجاه يختزل العملية الاقتصادية إلى آليات السوق من عرض وطلب، وينظر إلى السوق على أنه مجال مستقل بذاته ومسيرا ذاته بذاته، عاماوالا بذلك أي تأثير من المجتمع أو بنائه السياسي؛ كما ينظر هذا الاتجاه إلى المجتمع ذاته على أنه ليس إلا ملحقا للسوق، ويقدم توصياته بحيث يتم تنظيم المجتمع بكيفية تضمن استقلال السوق وسيره وفق قوانينه الخاصة التي يعتقد في انفصالها عن البناء الاجتماعي. وقد تحول الاتجاه النيوكلاسيكي في الاقتصاد إلى عقيدة ورؤية للعالم تبنتها المنظمات المالية والسياسية الدولية من الأمم المتحدة إلى صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وكانت هذه العقيدة هي ما يكمن تحت برامج التحرير الاقتصادي والخصخصة والتحول إلى اقتصاد السوق الحر والتي فرضتها تلك المنظمات الدولية على العالم النامي والدول الاشتراكية السابقة.
نشأ الاتجاه النيوكلاسيكي من أعمال عدد من علماء الاقتصاد المنتمين إلى جنسيات متعددة، وظهرت أعمالهم في فترات متقاربة تمتد عبر العقود الثلاثة الأخيرة من القرن التاسع عشر والعقد الأول من القرن العشرين. وينقسم الاقتصاد النيوكلاسيكي إلى عدد متنوع من المدارس، أبرزها المدرسة النمساوية التي أسسها كارل منجر وتضم بوم بافرك وفون فيزر، والمدرسة الفرنسية التي أسسها والراس، والمدرسة الإنجليزية التي أسسها جيفونز ومارشال، وللأخيرة أتباع أمريكان من أمثال جون بيتس كلارك.
والمدرسة النمساوية جزء من الاتجاه النيوكلاسيكي، وتكتسب أهميتها من أنها كانت تمثل البدايات الأولى لهذا الاتجاه منذ صدور كتاب كارل منجر. كما أن أتباع الاتجاه النيوكلاسيكي في إنجلترا وأمريكا طوال القرن العشرين ظلوا يأخذون أعمال المدرسة باعتبارها مصدرا رئيسيا يعتمدون عليه في تلمس الأسس النظرية والمنهجية لتحليلاتهم. والحقيقة أن ما يجمع المدرسة النمساوية وممثلي الاتجاه النيوكلاسيكي من الجنسيات الأخرى إستراتيجية بحثية تقوم على المبادئ الآتية:
1. الوحدة الأولى للتحليل والتنظير الاقتصادي هي السلوك الفردي الساعي إلى الحد الأقصى من المنفعة والمصلحة الشخصية.
2. يكشف سلوك الأفراد عن ثبات في الاختيارات يتجه نحو الاختيار الاستهلاكي بصفة دائمة؛ وهذا الثبات هو ما يمكن العلم الاقتصادي من التنظير لمثل هذا السلوك ووضع قوانين تكشف عن انتظامه الثابت.
3. السعي نحو إثبات توازن السوق نظريا وتحليليا.
والحقيقة أن ما يفرق المدرسة النمساوية عن النيوكلاسيك الإنجليز والأمريكان هو أنها وضعت في اعتبارها أننا نعيش في عالم لا يتطابق تماما مع النظرة المثالية النيوكلاسيكية للسوق وللعملية الاقتصادية. فإذا كنا نعيش في عالم يتحصل فيه الأفراد على المعلومات الكاملة ويتم فيه التبادل بين عدد لانهائي من البائعين والمشترين ويعمل فيه السوق بانتظام تام فمن الممكن أن تنطبق عليه نظريات النيوكلاسيك الأنجلوساكسونيين. لكن اختلاف المدرسة النمساوية يكمن في أنها وضعت في اعتبارها أن الواقع به انحرافات كثيرة عن مثال السوق الكامل، ومن هنا أسست نظرياتها بحيث تصل إلى هذا النموذج في نهاية تحليلاتها متخذة منه مثالا تقيس عليه تلك التحليلات، وكان ما يوجهها سؤال أساسي هو: كيف يمكن أن نتوصل إلى سوق حر تماما؟؛ في حين أن النيوكلاسيك الأنجلوساكسون قد بدأوا تحليلاتهم بوضع السوق الحر كمسلمة أساسية لا تقبل النقاش. لكن يبقى أن هذا الاختلاف منهجي وحسب، ويظل النمساويون والأنجلوساكسون يعتقدون في السوق الحر سواء كمسلمة في بداية التحليل أو كمعيار أثناء التحليل، سواء كان افتراضا ينطلق منه البحث باعتبار وجوده متحققا، أو كان مثالا يتم السعي إليه.
لكن ما هي الظروف التاريخية التي أدت إلى ظهور المدرسة النمساوية في الاقتصاد السياسي؟ نستطيع تلمس الإجابة على هذا السؤال من أحد أهم أعلام المدرسة والذي كان له الفضل في نقل أفكارها إلى الولايات المتحدة وتأسيس مدرسة خاصة به هناك تتبع الاتجاه النمساوية وهو لودفيج فون ميسز. يستعرض فون ميسز السياق التاريخي والسياسي الذي ظهرت فيه المدرسة النمساوية، ويتضح من استعراضه أن ما أدى إلى ظهورها بتوجهاتها الليبرالية القوية مثل أفكارها عن السوق الحر ورفض سياسة تدخل الدولة في الاقتصاد هو خبرتها التاريخية بما كان حادثا في إمبراطورية النمسا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وكذلك في ألمانيا في نفس الفترة، إذ كان النموذج المطبق آنذاك هو دولة الرفاهية المنظمة للاقتصاد. وما أدى إلى اغترابهم أن السلطات الثقافية والتعليمية في النمسا وألمانيا كانت تمنع تعليم أي مذهب اقتصادي أو سياسي يتعارض مع هذه السياسة، ومن جراء ذلك تم تجاهل الاقتصاد السياسي الإنجليزي الداعي إلى حرية التجارة والسوق الحر وعدم تدخل الدولة، وبالتالي تم تجاهل أعمال المدرسة السائرة في نفس الاتجاه ولم يقدر لها الإنتشار وذيوع الصيت إلا خارج النمسا. هذا بالإضافة إلى أن النمسا شهدت حركة ليبرالية قصيرة العمر في ستينات القرن التاسع عشر لكنها كانت ذات تأثير قوي حيث استطاعت فرض دستور جديد على إمبراطورية النمسا، لكن سرعان ما انتهت هذه الحركة، وعاد الوضع على ما كان عليه. وهذا ما دفع المدرسة النمساوية نحو مزيد من التمسك بالمبادئ الليبرالية في مجال الاقتصاد.
إن المدرسة بذلك تكون محاولة فكرية وأكاديمية للاستمرار في نشر مبادئ الحركة الليبرالية. فما لم تستطع الحركة السياسية تحقيقه عمليا حاولوا هم تحقيقه نظريا في نظرياتهم في الاقتصاد السياسي. وهذا هو السبب في عودة مبادئ الليبرالية الاقتصادية بعد النقد الماركسي اللاذع الذي وجه لها وفي أوج عصر الحركات الاشتراكية الواسعة. إن هذا السياق التاريخي-السياسي لظهور المدرسة النمساوية يجعلنا نتفهم السبب في كونهم كانوا من أتصار أشد أنواع الليبرالية تطرفا ولماذا لم يقبلوا حلولا وسطى أو أي نوع من التعايش السلمي بين فكرتهم عن اقتصاد السوق الحر وأي نوع من الإشراف أو التخطيط.
إن نفس هذا السياق التاريخي-السياسي ونفس نموذج التخطيط المركزي للاقتصاد من قبل الدولة والذي كان سائدا في النمسا وألمانيا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر والذي أقامت المدرسة النمساوية اقتصادها السياسي بالضد معه عاد إلى الظهور على نطاق عالمي في القرن العشرين في دول غرب وشرق أوروبا والولايات المتحدة ذاتها في شكل دولة الرفاهية، وفي شكل الأنظمة الاشتراكية، وكان ذلك يعد استمرارا للبواعث التي أدت بالمدرسة إلى الظهور منذ البداية، إذ وجدت أن مناخ ظهورها يتكرر على نطاق عالمي. وهذا ما أدى إلى استمرار المدرسة في الحياة في الولايات المتحدة ذاتها في أشخاص الجيل الثاني منها وأهمهم لودفيج فون ميسز وفريدريك فون هايك.
1.النظرية الذاتية في القيمة:
إن أهم ما يميز المدرسة النمساوية في الاقتصاد السياسي عما سبقها من الاقتصاد السياسي الكلاسيكي ونظرية العمل في القيمة Labor Theory of Value نظريتها الذاتية في القيمة Subjective Theory of Value والتي تتمثل في القول بأن القيمة يمكن أن تحدد من خلال إدراك الفرد وتقييمه على أساس ما يعود عليه من منفعة، وبذلك ربطت بين القيمة والمنفعة الفردية، وكان هذا الربط بداية لظهور المنظور الذاتي للقيمة والذي استمر ملمحا أساسيا لدى الاتجاه النيوكلاسيكي كله. ويتضح من هذه النظرية الجديدة في القيمة أن المدرسة النمساوية تعود إلى أفكار ومسلمات الليبرالية التقليدية؛ ومن العجيب أن تتم العودة إلى ذلك الإطار الفكري الليبرالي القديم الذي تعرض للنقد طوال القرن التاسع عشر وخاصة لتجلياته في النظريات الاقتصادية على يد ماركس، إلا أن الليبرالية التي كان يعتقد أنه قد فات أوانها كانت تقدم خدمة علمية للمدرسة النمساوية متمثلة في تمكينهم من التعامل مع نظرية النقد Money Theory في استقلال تام عن أي إحالات أو متضمنات ماركسية أو اشتراكية. كذلك يقدم لهم ذلك الإطار الليبرالي الذي كان يعتقد أنه قد فات أوانه بخدمة أيديولوجية تمكنهم من التوصل إلى النتيجة التي يهدفون إليها وهي أن السوق هو المحدد الأساسي للعملية الاقتصادية.
تقدم لنا المدرسة النمساوية نماذج عديدة لنظريات اقتصادية مستقلة تماما عن مفاهيم الطبقة والصراع الطبقي ومفهوم العمل باعتباره مصدر كل قيمة والسائد لدى الماركسية والاقتصاد الكلاسيكي على السواء ابتداء من آدم سميث مرورا بريكاردو وحتى جون ستيوارت ميل. وعلى العكس من ذلك تأخذ المدرسة النمساوية المستهلك الفرد باعتباره الوحدة الأولى في تحديد القيمة، وهذا ما يمكنها من التميز عن الكلاسيك والماركسيين في نفس الوقت، ويمكنها كذلك من إقامة نظرية في السوق باعتباره مركز العملية الاقتصادية.
تتضح النظرية الذاتية في القيمة ابتداء من أعمال كارل منجر مؤسس المدرسة. يذهب منجر إلى أن ما يحدد القيمة ليس الشئ النافع أو السلعة ذاتها بل علاقة الفرد بها، وهذه العلاقة تدخل فيها محددات كثيرة مثل الفرص المتاحة للحصول عليها والمعلومات المتوافرة للفرد عنها. القيمة عند منجر علاقة بين الأفراد والسلع؛ ومعنى هذا أنه يحدد القيمة باعتبارها قيمة استعمالية ويحدد القيمة التبادلية للسلع على أساس استعمالها أو فائدتها. هذه النظرية تمكن المدرسة النمساوية والاتجاه النيوكلاسيكي كله من تجاوز قضية القيمة الزائدة التي يضفيها العمل على المادة الخام في إنتاجه للسلعة، ذلك لأنهم يؤسسون القيمة، التي يفهمونها على أنها هي السعر، على فائدتها الاستعمالية متجنبين بذلك القيمة الأخرى الزائدة التي لا تتلقى العمالة المنتجة لها أجرا مقابلها. عندما تساوي بين القيمة الاستعمالية للسلعة بقيمتها التبادلية وتنظر إلى هذه الأخيرة على أنها سعر السلعة فكأنك بذلك تقول أن سعر السلعة وقيمتها هي ذاتها فائدتها للمستهلك؛ وبذلك تلغي علاقة أخرى بين السلعة ومنتجيها المباشرين وما يضفون عليها من قيمة زائدة بفضل عملهم على المادة الخام.
إن النظرية الذاتية في القيمة هي السبب وراء نجاح المدرسة النمساوية في بداياتها ووراء عودة الاهتمام بها في النصف الثاني من القرن العشرين، ذلك لأنها كانت جذابة بالنسبة للاقتصاديين الانجليز والأمريكان، إذ جعلتها نظريتها الذاتية في القيمة أداة نظرية ناجحة وفعالة في إقامة اقتصاد سياسي للمستهلك وللسوق الاستهلاكية، وهو ما يناسب الطموحات العلمية لأساتذة الاقتصاد الراغبين في إقامة نظريات اقتصادية في تجنب للاقتصاد الماركسي. فعندما حدد منجر القيمة بمعايير ذاتية واستهلاكية وأدخل فيها مفاهيم التفضيلات والقرارات الفردية والفرص المتاحة أمام الأفراد..إلخ، أصبح من الواضح أنه يقيم نظرية في القيمة على أساس معيار السوق الاستهلاكي.
أما يوجين فون بوم بافرك Eugen Von Bohm-Bawerk (1851-1914) فهو يعد الشخصية الأهم في المدرسة النمساوية بعد منجر وفيزر، وقد أكمل عملهما في وضع نظرية ذاتية في الفيمة. وما دفعه لوضع مثل هذه النظرية اعتقاد منهجي لديه بأننا إذا أردنا فهم الاقتصاد الكلي ووضع نظرية اقتصادية عامة فيجب أن نبدأ بما هو بسيط وأولي، والبسيط والأولي عنده هو المستهلك، ذلك لأن القيمة محددة عن طريقه. ويتضح من ذلك أن الأساس المنهجي لبوم بافرك هو الفردية المنهجية Methodological Individualism والتي تميز الاتجاه النيوكلاسيكي كله، مضاف إليها نزعة تحليلية وذرية تجعله يبدأ بالقيمة الذاتية باعتبارها بسيطة وأولية. والحقيقة أن البساطة والأولية التي يدعيها بوم بافرك زائفة، لأن القيم الذاتية تحددها عوامل موضوعية. ليس التقييم الفردي والاستهلاكي للسلع متغيرا مستقلا نستطيع الاعتماد عليه في تأسيس نظرية اقتصادية بل هي مشروطة دائما بعوامل أخرى تحدد السلوك الاستهلاكي للأفراد وتفضيلاهم السلعية.
تظهر نظرية القيمة لدى النمساويين على أنها تعطي الأولوية للقيمة الذاتية واختيارات وتفضيلات المستهلك والمنتج الصغير، إلا أنها في حقيقتها طريق جانبي لتناول إشكالية السلع. إن ما يهم النيوكلاسيك حقيقة هو السلع ووضعها في السوق، وهم يتحدثون دائما عن القيمة الذاتية التي هي تفضيلات واختيارات المستهلك وهم في الحقيقة بقصدون السلع وأسعارها. إنهم لا يهتمون بالمستهلك كما يظهر من أعمالهم بل بالسلعة وكيفية تحديد سعرها، ولا ينشؤون نظرية ذاتية في القيمة إلا رغبة منهم في الربط بين سعر السلعة وآليات العرض والطلب في السوق باعتبارها المحدد النهائي للسعر، وهم بذلك يحذفون العوامل الأخرى في تحديد القيمة مثل القيمة الزائدة التي يضفيها العمل على المنتج.
2. نظرية المنفعة الحدية:
أقام النيوكلاسيك على أساس نظريتهم الذاتية في القيمة نظرية أخرى عرفت بنظرية المنفعة الحدية Marginal Utility Theory وتذهب إلى أن أول وحدة من السلعة تحوز على أعلى قيمة، إذ يكون الاحتياج لها شديدا وبالتالي يكون سعرها أعلى، ويقل احتياج الفرد مع الوحدة الثانية والثالثة من نفس السلعة، وبالتالي تقل قيمة كل وحدة زائدة حتى نصل إلى وحدة أخيرة تحوز على أقل نفع وبالتالي أقل سعر ممكن تصوره. ويقول النيوكلاسيك إن الإنتاج ينظم حسب أقل سعر وفقا لهذه النظرية. لكن يخلط النيوكلاسيك بذلك مجال الإنتاج مع مجال التوزيع. إن نظرية المنفعة الحدية يمكن أن تكون صحيحة ونافعة لتاجر التجزئة، لكنها لا تصلح أساسا لصياغة نظرية اقتصادية. إنها تصلح لتفسير سلوك البقال، لكنها لا تصلح لتفسير سلوك المنتج. صحيح أن فائدة الوحدات المتتالية لنفس السلعة تتناقص، لكن هذا لا ينطبق إلا على المستهلك وفي حالات خاصة، ولا ينطبق على المنتج.
تعطينا نظريات النمساويين وهما بأنهم يعطون الأولوية للقيمة الاستعمالية (الفائدة والنفع الفردي الاستهلاكي) ويلحقون بها القيمة التبادلية (سعر السلعة في السوق)، وهم بذلك كأنما يصدرون وعدا بألا يعاملوا السوق على أنه مجرد وسيط للحصول على قيمة تبادلية وحسب، أي على أرباح وتراكم رأسمالي بالتالي، بل على أنه كذلك وسيلة لإشباع حاجات الأفراد. وهم بذلك إنما يحاولون وضع بديل عن التحليلات الماركسية للقيمة الزائدة التي تختفي تماما من أعمالهم اختفاء مقصودا ومنهجيا، نظرا لأن مناقشة قضية القيمة الزائدة سوف يجرهم رغما عنهم إلى الأرضية الماركسية، وهو ما كانوا يتجنبونه بحذر.
وقد تعرضت هذه النظرية لنقد حاد على يد عالم الاقتصاد والاجتماع الأمريكي ثورشتاين فبلن. يذهب فبلن إلى أنه إذا كانت كل وحدة جديدة من نفس السلعة تقل في منفعتها عن الوحدة السابقة لدى المستهلك، فإن المنتج تزيد لديه قيمة كل عنصر جديد مضاف لعملية الإنتاج. لكن يطبق النيوكلاسيك المنفعة الحدية على الإنتاج ويقيمون نظرية في الإنتاج الحدي، ويعتقدون أن كل عامل مضاف إلى العمال السابقين يكون إسهامه أقل في الإنتاج وبالتالي يكون أجره أقل، وهم بذلك يبررون خفض الأجور بحيلة نظرية. في العالم الحقيقي يتم خفض الأجور لا لأن إسهام العامل المضاف يكون أقل من سابقه بل للمحافظة على هامش ربح مناسب لرأس المال. ويتم التعبير عن المحافظة على الأرباح في علم الاقتصاد لا بنفس الاسم الصريح بل بإسم آخر يصرف النظر عن الربح ويوجه الانتباه للسعر، إذ تصبح "المحافظة على الأرباح" "محافظة على الأسعار" Maintaining Prices ، لأن المحافظة على الأسعار السائدة يضمن المحافظة على الأرباح التي حددها رجال الأعمال.
يكشف فبلن عن مسلمة ضمنية في نظرية المنفعة الحدية بتناوله لصيغتها لدى المدرسة النمساوية وخاصة لدى مؤسس المدرسة كارل منجر، إذ افترضت أن المنتج بائع مباشر للمستهلك، والشاري مستهلك مباشر وأخير للسلعة. وهذا في نظر فبلن يلغي دور السوق وينظر إلى المعاملات النقدية على أنها مجرد وسيط للتبادل، وبالتالي تأتي نظرية المنفعة الحدية وتقول إن سعر السلعة، بما يتضمنه هذا السعر من تكاليف إنتاج، يتحدد بالقياس على أقل سعر لآخر وحدة منها، وأقل سعر هو أقل ما يمكن أن يدفعه المستهلك فيها، وهي بذلك تفترض أن المنتج هو الذي يباشر عملية البيع مباشرة للمستهلك، وهذا غير صحيح. هذا الإلغاء للسوق باعتباره وسيطا بين المنتج المباشر والمستهلك الأخير يتم على مستوى النظرية فقط والواقع عكس ذلك تماما.
لكننا نستطيع تطوير وجهة نظر فبلن هذه ونقول إن الاحتكار يعمل على اختزال المسافة بين المنتج المباشر والمستهلك الأخير، لأنه يعمل على السيطرة على كل مراحل دوران السلع، فالاحتكار هو أن يسيطر المنتج، الذي هو الشركة الاحتكارية، على السوق وعلى حركة النقود، والسيطرة الاحتكارية على السوق تعني إلغائه باعتباره مجالا محايدا لتحديد السعر، وتعني كذلك أن يمارس المنتج الاحتكاري دور تاجر التجزئة ولا يترك أي مرحلة في دورة السلع لغيره؛ ولذلك لاقت نظرية المنفعة الحدية رواجا مذهلا ابتداء من العقدين الأخيرين من القرن التاسع عشر وطوال القرن العشرين، وهي نفس فترة ظهور الاحتكارات، لأن هذه النظرية تخدم الاحتكار جيدا بكشفها عن مبدأ جديد لإدارة السوق والسيطرة عليه، فهي تلغي السوق المحايد على المستوى النظري بإعطائها توجيها للمنتج بكيفية تحديد سعره إذا أراد أن يسيطر على السوق. لقد ألغت المسافة بين المنتج المباشر والمستهلك الأخير على مستوى النظرية، وكان هذا الإلغاء هو ما تحاول الاحتكارات الناشئة القيام به بالفعل، وبذلك تلاقت النظرية مع الواقع في نوع من التشابه العضوي أو المختار Elective Affinity . ولذلك تبنى علم الاقتصاد السائد تلك النظرية وهو مدعم بسند واقعي مما كان يحدث بالفعل. لا يمكن أن تُلغى المراحل الوسيطة بين المنتج والمستهلك إلا في ظل السيطرة الاحتكارية عليها، أي على السوق. وهكذا أصبحت نظرية المنفعة الحدية هي الأداة النظرية والحسابية الأساسية لعلم الاقتصاد المعاصر الذي هو اقتصاد احتكارات في الأساس.
تعبر نظرية المنفعة الحدية عن الوعي العام الشائع لرجال الأعمال، إذ يمكن التعبير عنها بكلمات عامة كما يلي: المنتج ينتج سلعا بهدف الربح، لكنه يحسب هذا الربح على أساس القدرة الشرائية للمستهلك، وكلما كان المستهلك مستعدا لدفع سعر أعلى في السلعة كان ربح رجل الأعمال أعلى؛ ويستعد المستهلك لدفع سعر أعلى في السلعة كلما كان أكثر احتياجا لها. وأخشى ما يخشاه رجل الأعمال هبوط الأسعار لأنه يعني هبوط أرباحه، وهبوط الأسعار يأتي من زيادة عرض السلع، وبالتالي يمنع رجل الأعمال هبوط الأسعار بحبسه للإنتاج والسيطرة عليه. ولأن هدف رجل الأعمال الربح فإن القضية التي تشغله هي أقل سعر يمكن أن تباع به السلعة في السوق. ولأن السوق حر ويسير نفسه بنفسه فيجب بالتالي البحث عن السبب الذي يجعل سعر السلعة يهبط إلى أدنى حد لها. وأدنى حد لسعر السلعة هو أدنى حد لاحتياج المستهلك لها. عندما لا تكون سلعة معينة نافعة للمستهلك فلن يشتريها أصلا، وبذلك لن تتصف تلك السلعة بالمنفعة الحدية لأنه ليس لها نفع من البداية؛ سلعة المنفعة الحدية هي السلعة ذات المنفعة لكنها المنفعة القليلة للغاية التي تؤدي إلى هبوط أسعارها.
وهنا تتحول النظرية الاقتصادية إلى الرياضيات؛ فعن طريق المسائل الرياضية والرسوم البيانية وخطوطها المنحنية الصاعدة والهابطة توضح النظرية اتجاه الأسعار نحو الصعود أو الهبوط بالتناسب مع الكمية المعروضة من السلع والطلب عليها، ذلك الطلب الذي هو الاسم الآخر للمنفعة الحدية. وهنا بالضبط يكمن خطأ الاقتصاد النيوكلاسيكي، لأن المنتج في العالم الحقيقي لا ينتج سلعته ويبيعها حسب منفعتها الحدية، أي حسب أقل سعر لها في السوق. إن المنفعة الحدية هي الكارثة التي يتجنبها المنتج باستمرار لأنها تعني أقل سعر لسلعته وبالتالي تقلص واختفاء هامش ربحه، إذ يمكن أن تصل المنفعة الحدية للسلعة إلى أقل من سعر إنتاجها. تعبر نظرية المنفعة الحدية عن النقطة التي يخسر عندها رجل الأعمال، وكأنها تقول له: "هنا تخسر ولذلك تجنب الوصول إلى هذه النقطة"، ويتم تجنب الوصول إلى المنفعة الحدية بحبس الإنتاج خوفا من أن يؤدي الإنتاج الوفير إلى هبوط في الأسعار. إن نظرية المنفعة الحدية هي في حقيقتها توجيه لرجال الأعمال.
3. نظرية سلوك المستهلك:
على أساس النظرية الذاتية في القيمة أقام النيوكلاسيك نظرية أخرى عرفت بـ"نظرية سيادة المستهلك" Consumer Sovereignty ، والتي تعرف أيضا باسم "نظرية سلوك المستهلك" Consumer Behavior ، وتنص على أن الهدف النهائي لنظام الإنتاج هو بيع السلعة للمستهلك، وبذلك يكون هو النقطة الأخيرة والمحطة النهائية لكل العملية الاقتصادية. والسعر يتحدد بناء على درجة احتياج المستهلك للسلعة، وبالتالي تتحدد تكاليف الإنتاج بناء على السعر الذي يقبل أن يدفعه المستهلك. المستهلك بقراره الشرائي هو الذي يحدد كل عملية الإنتاج، وبذلك تكون له السيادة • .
الحقيقة أن المستهلك في ظل الإنتاج الصناعي ليست له تلك السيادة المدعاة، لأنه مجبر على تطويع احتياجاته مع ما يطرحه الإنتاج، إذ تتعرض السلع الاستهلاكية لتوحيد المقاييس Standardization ، وعلى المستهلك أن يتكيف معها، وسلوكه تابع دائما لهذه العملية ولكل تجديد أو تغيير في السلع، وليس سلوكه مستقلا أبدا تجاه الانقلابات التي تحدثها فنون الإنتاج على السلع. يقول فبلن عن السلع: "إن درجتها ودوامها ومستواها وتتابعها ليست مسألة اختيارية لدى الأفراد، بل إن العملية الإنتاجية هي المتحكمة في ذلك، إذ تجبر السلع وبالتالي منتجيها ومستهلكيها معا على الالتزام بمقاييس واحدة.. ثم تأتي بعد ذلك مرحلة من التنميط والتحول الآلي لتفاصيل الحياة اليومية". لا معنى بعد ذلك للحديث عن حاجات بشرية أولية سائدة لدى كل الأفراد، فالحاجات أصبحت خاضعة لما تقدمه الصناعة من سلع.
إن فكرة سيادة المستهلك خرافة، لأن السيادة الحقيقية للمؤسسة الاحتكارية وما تنتـجه من سلع. ليس المستهلك سوى نتاج الممارسات التسويقية للشركات من دعاية وإعلان وما يصاحبها من دراسات في علم النفس وعلم التسويق. عندما يتحدث النيوكلاسيك عن سيادة المستهلك ويتخذونه النقطة الأساسية للتحليل الاقتصادي فهم بذلك يسيرون في نفس الطريق الأيديولوجي الذي رسمه النظام الرأسمالي، إذ يتم نفاق المستهلك وإيهامه بأنه هو السيد. إن اتخاذ المستهلك عنصرا أساسيا في التحليل يعني أن النيوكلاسيك قد أخذوا صنيعة أيديولوجية زائفة للنظام الرأسمالي كمبدأ في التحليل. صحيح أن المستهلك موجود بالفعل، وصحيح أن سلوكه قابل لأن يقاس ويحلل، إلا أنه السطح الظاهري الأيديولوجي للمجتمع الرأسمالي كما ذهب ماركس من قبل، لا حقيقته الباطنة.
ويوضح فبلن أن نظرية سلوك المستهلك تكشف عن التحيز الفردي للاقتصاد النيوكلاسيكي ونزعته النفعية، ويقول في ذلك: إن نظرية دقيقة للسلوك الاقتصادي لا يمكن استقائها من الفرد ببساطة، حتى للأغراض الإحصائية –كما هو الحال في اقتصاديات المنفعة الحدية- لأنها لا يمكن أن تـُستنج بمفردات الطبيعة البشرية؛ ذلك لأن الاستجابة التي تشكل السلوك الإنساني تحدث في ظل معايير مؤسسية (إجتماعية) وتحت مثير ذي طابع مؤسسي". ينقد فبلن في هذا النص الآتي:
1. رد الأداء الاقتصادي إلى سلوك الأفراد.
2. النظر إلى سلوك الأفراد على أنه يصدر عن طبيعة بشرية سابقة في وجودها على المجتمع ومؤسساته.
3. تصوير هذه الطبيعة البشرية على أنها نفعية وأنانية.
4. تجاهل السياق المؤسسي أو الاجتماعي الذي يشرط السلوك الفردي ويشكل له مثيرا.
5. اعتماد سلوك الأفراد باعتباره دالة إحصائية بحجة أنه يمكن حصره وقياسه، حيث يقام على هذه الدالة نظرية في الأداء الاقتصادي لمجتمع بأكمله.
وبناء على أن سلوك المستهلكين يمكن حصره وقياسه فقد وجدت ظاهرة ترييض الاقتصاد Mathematization of Economics طريقها لعلم الاقتصاد الحديث. إن هذه الظاهرة مستندة هي الأخرى على أيديولوجيا سلوك المستهلك. إذا كان المستهلك يكشف في سلوكه عن انتظام ما يمكن حصره وقياسه والتعبير عنه بالأرقام ولغة المعادلات الرياضية فما ذلك إلا لأن سلوكه خاضع هو نفسه للتقنين والسيطرة الإعلامية ولنظم إدارة السوق في الشركات الكبرى. هذه النظم تضع للأفراد قواعد تفرض عليهم قيامهم بسلوك المستهلك، وبالتالي فليس سلوك المستهلك مبدأ أوليا يمكن الانطلاق منه للتحليل الاقتصادي، لأنه نتاج النظام الذي ينبغي دراسته.
ما لم ينتبه إليه النيوكلاسيك وهم يصوغون نظرية سلوك المستهلك أن هذا المستهلك هو في نفس الوقت منتج، إنه ينخرط في إنتاج نفس السلع التي يستهلكها. فسواء كان المرء منشغلا بعمل إنتاجي أو خدمي فهو يساهم بنصيب في مجموع ثروة المجتمع كله، لأن العمل في ظل العصر الصناعي عمل اجتماعي يسهم فيه الكل. الفرد منتج ومستهلك في نفس الوقت، لكن يعتم علماء الاقتصاد على هذه الحقيقة ويعماوالون جانب الإنتاج عن الفرد ولا يركزون إلا على كونه مستهلكا، أي يستبعدون ثلاثة أرباع ساعات يقظة المرء التي يقضيها في الإنتاج ويركزون على الساعة الواحدة التي يكون فيها مستهلكا. إذا نظرنا إلى أفراد المجتمع على أنهم منتجين ومستهلكين في نفس الوقت فسوف يتبين أن من حقهم نصيبا أكبر من السلع التي ينتجونها، لأن ما يحصلون عليه من سلع لا يتناسب مع الكمية التي ينتجونها.
وعلى أساس نظرية سيادة المستهلك يقيم النيوكلاسيك نظرية أخرى في سلوك المنتج، وتتضح هذه النظرية ابتداء من بوم بافرك، إذ يذهب إلى أن نفس القواعد التي تحكم المنتج هي التي تحكم المستهلك، والسبب أن المنتج ينتج السلع التي يستهلكها المستهلك ويقيمها ويحدد أسعارها بسلوكه الشرائي. وهذا أسلوب مراوغ لإعطاء الأولوية لنظرية القيمة الذاتية. الحقيقة أننا بالربط بين سلوك المنتج وسلوك المستهلك إنما نقف على السطح الظاهري للمجتمع الرأسمالي، ففي هذا المستوى الظاهري نجد أن المنتج ينتج بالفعل تلك السلع التي يستعد المستهلك لدفع سعرها، وهذا مستوى جزئي في التحليل لا يصلح إلا لوصف سلوك المنتج الصغير وللإنتاج السلعي في كل نظام اقتصادي سابق على الرأسمالية. أما الإنتاج السلعي في النظام الرأسمالي فلا يحتل فيه المستهلك تلك الأهمية المدعاة، لأن المستهلك كما قلنا نتاج لنظام الإنتاج، ذلك النظام الذي لا ينتج السلع وحسب بل ينتج مستهلكيها في نفس الوقت.
إن أفعال المنتج لدى المدرسة النمساوية يحددها سلوك المستهلك، بحيث يصبح الإنتاج كله مشروطا بالاستهلاك، وهذا ما يتيح للمدرسة أن تعالج تكاليف الإنتاج في ضوء منفعة السلعة. ويعد هذا تغييرا كبيرا في أفكار الاقتصاد الكلاسيكي، لأنه يجعل الإنتاج مشروطا ومحددا بالقيمة الإستعمالية، ورابطا القيمة التبادلية أو السعر بنفس تلك القيمة الاستعمالية. إن الإسهام الأساسي للمدرسة النمساوية يتمثل في أنها خرجت عن الكلاسيك في تحديدهم للإنتاج على أساس القيمة التبادلية، فالسعر لدى الكلاسيك يتحدد على أساس القيمة التبادلية للسلع في السوق، أما النمساويون والنيوكلاسيك من بعدهم فعلى العكس، إذ حددوا الإنتاج بالقيمة الاستعمالية، والقيمة التبادلية ذاتها بالفائدة أو المنفعة وذلك في اتفاق مع نظريتهم الذاتية في القيمة والمنفعة الحدية. لكنهم لا يزالون معرضين للنقد الماركسي رغما عن ذلك، لأن القيمة الاستعمالية ذاتها من إنتاج النظام الرأسمالي ومشروطة به ولا يمكن أن تكون متغيرا مستقلا. فكما قال ماركس في "معالم نقد الاقتصاد السياسي"، فإن رغبات وتفضيلات واختيارات المستهلك تخلقها السلع، تلك السلع التي يخلق مجرد ظهورها في السوق حاجات جديدة، وكأن السلع تأتي معها بالحاجة إليها في السوق: لا تنشأ الرغبة في الشئ ما لم يكن هذا الشئ معروضا في السوق من قبل.
4. نظرية التوازن:
من أشهر نظريات الاقتصاد السياسي النيوكلاسيكي نظرية التوازن Equilibrium Theory، وتهدف هذه النظرية في صياغاتها المختلفة إثبات أن السوق الحر المتروك لقوانينه الخاصة سوف يصل إلى استقرار ما في الأسعار وتوازن بين العرض والطلب وبين الموارد المتاحة والقدرة على تعبئتها وتشغيلها، وبين أرباح المجالات الصناعية المختلفة، وبين قدرة المجتمع على العمل وقدرة رأس المال على تحقيق الربح.
تظهر نظرية التوازن ابتداء من منجر مؤسس المدرسة، وقد بدأت النظرية حسب صياغته لها باعتبارها إعادة طرح للتناول الليبرالي التقليدي لمشكلة النظام وكيف ينتج تلقائيا عن أفعال الأفراد دون تخطيط مقصود، ولمشكلة الخير العام الذي يتحقق من خلال الأفراد. يتسائل منجر: "كيف يمكن للمؤسسات التي تخدم الرفاهية العامة والضرورية لنمو هذه الرفاهية أن تظهر إلى الوجود دون إرادة عامة موجهة نحو تأسيس مثل هذه المؤسسات؟". ويجيب منجر على نفسه قائلا أن الرفاهية العامة تتحقق عن طريق إشباع الأفراد لاحتياجاتهم، والإشباع متبادل بين الأفراد، بحيث يشبع الواحد منهم احتياجاته عن طريق الآخر، وهذا الإشباع المتبادل يتم عن طريق السوق. السوق إذن هو المؤسسة العامة التي تحقق الخير العام، ولضمان هذا الخير العام يجب ضمان عمل هذا السوق حرا من أي تدخل لأنه بطبيعتته مجال محايد ووسيط لتحقيق الإشباع المتبادل للحاجات ويجب أن يظل محايدا للمحافظة على طابعه العام والكلي. السوق حسب منجر إذن ليس في حاجة إلى تنظيم Regulation لأنه ذاتي التنظيم، بل هو في حاجة إلى تنسيق Co-ordination بين عملياته والأطراف الفاعلة فيه. ثم يتوصل منجر إلى صياغة سؤال جديد: "كيف يكون التنسيق المتبادل للسوق ممكنا؟"، ويجيب قائلا أن هذا التنسيق المتبادل هو النتيجة التي يحققها السوق إذا ما ترك حرا وليس أبدا البداية التي يبدأ منها. ويحقق السوق التنسيق المتبادل إذا ما ترك حرا وظل يعمل في ظل حرية كاملة. وكانت فكرة التنسيق المتبادل Mutual Coordination كنتيجة لآليات السوق الحر هي بداية صياغة المدرسة النمساوية لمفهومها عن التوازن Equilibrium .
سميت نظرية التوازن في بدايات الاتجاه النيوكلاسيكي بنموذج التوازن العام General Equilibrium . ظهرت بدايات هذا النموذج عند والراس ثم فيزر وفون ميسز في أواخر القرن التاسع عشر، وفي بداية القرن العشرين سادت الاتجاه النيوكلاسيكي كله. وينص هذا النموذج على أنه في عالم يحتوي على تجار يحاولون الحصول على أقصى ربح تجاري ومالكي موارد يحاولون الحصول على أكبر عائد من مواردهم (وهؤلاء يشملون من يملكون سواعدهم كمورد وحيد لهم)، فمن الممكن "تخيل" نظام في "أسعار" الموارد والسلع يتيح الآتي:
1. يتيح لكل الأطراف الداخلة في التبادل أن تبادل كل ما تملكه دون أن يبقى لديه شئ، وبالتالي استبعاد خطر فرط الإنتاج Over-Production.
2. يتيح لكل أطراف التبادل أن تحسن من رفاهيتها معا وفي نفس الوقت ودفعة واحدة، أي دون أن يكون مكسب الواحد منهم على حساب خسارة الآخر كما يحدث في العالم الحقيقي.
ويستند هذا النموذج في التوازن العام على عدة افتراضات، منها أن المستوى القائم من التطور التكنولوجي متاح للجميع ومفتوح بالكامل أمام الكل، أي مشاعية التكنولوجيا وعدم تمكن طرف ما من احتكارها ومنعها عن الآخرين بحجة حق الملكية الفكرية كما يحدث في العالم الحقيقي، واستبعاد نهائي للملكية الخاصة للاختراعات العلمية والتكنولوجية وما يحكمها من قوانين السوق الاحتكارية؛ كذلك افتارض ثبات في الطلب يعتمد على ثيات في خيارات المستهلك؛ وافتراض بأن الموارد متاحة للجميع في ظل منافسة عادلة وليس احتكارا لها عن طريق الملكية الخاصة لمصادرها كما يحدث في العالم الحقيقي.
وبالإضافة إلى الانتقادات المتضمنة لهذا النموذج من خلال افتراضاته السابقة فإن لنا ملاحظات أخرى عليه:
1. يعامل النموذج المنتجين باعتبارهم تجارا ولا يميز بينهم، أي يساوي بينهم باعتبارهم داخلين مباشرة في عملية التبادل بعد أن ينتجوا منتجاتهم، وهو يفترض أن المنتج يمارس البيع المباشر للمستهلك دون وسيط، ويفترض تساوي بائع الموارد وبائع السلع وبائع قوة العمل بما أنهم جميعا يدخلون في علاقة تبادل، لاغيا بذلك الفروق الجوهرية بين الرأسمالي والعامل وتاجر الجملة وتاجر التجزأة..إلخ.
2. تتسع في هذا النموذج فئة مالكي الموارد حتى أنها تشمل العمال بما أنهم يملكون موردا هائلا هو قوة العمل، وبالتالي فالنموذج يعامل قوة العمل على أنها من موارد الإنتاج مثلها مثل المواد الخام والطاقة، ومن ثم ينظر إليها على أنها سلعة تتم مبادلتها نظير سعر؛ وفي النهاية يعامل العمال كما لو كانوا طرفا من أطراف التبادل، وكما لو كان الجميع تجارا.
3. يحاول النموذج الإيحاء بأن التوازن المرتجى يمكن أن يتحقق عن طريق نظام متوازن في أسعار السلع. فبما أن الجميع تجار، وبما أن العمال أيضا يملكون سلعة هي قوة عملهم، فإن الكل لديه شيئا يبادله، وبالتالي فالتوازن بينهم يمكن أن يتحقق عن طريق نظام متوازن في أسعار السلع الداخلة في عملية التبادل.
4. وبالتالي يتحقق التوازن العام عن طريق سياسة نقدية في التسعير. ولا تتمثل هذه السياسة النقدية في فرض أسعار معينة على السوق، بل في ترك السوق حرا من أي تدخل حتى يثبت أسعاره بنفسه، وبالتالي يكون توازن الأسعار علامة على توازن المجتمع والنظام الاقتصادي كله. السياسة النقدية إذن هي السبيل نحو إحداث توازن عام في المجتمع. تحولت هذه النتيجة إلى إحدى العقائد الثابتة لليبرالية الجديدة وللمؤسسات المالية العالمية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. فالأداة الناجعة لحل جميع مشكلات المجتمعات البشرية حول العالم في نظر هذه المؤسسات هي تطبيق توصياتها في مجال السياسات النقدية فيما يخص أسعار الصرف والفائدة.
إن ما يسيطر على النيوكلاسيك وهم يبحثون في موضوع التوازن هو رغبتهم في التركيز على مجال التبادل وعلى السوق، فما يراد له التوازن عندهم هو السوق، عمليات البيع والشراء، وما يخشونه هو الكساد أو فرط الإنتاج: وجود بضاعة لا يتمكن الناس من شرائها، أي أن يكون معدل الإنتاجية أعلى من احتمال السوق وقدرته الاستيعابية. ومن هذا المنطلق يأخذون في بحث كيفية حدوث توازن، وهذا ما يجعلهم يتناولون الأسعار والدخول والتقييم الذاتي للسلع واختيارات المستهلك. وهم يسلمون بأن التوازن في مجال الإنتاج نفسه وبين مجال الإنتاج ومجال التوزيع يتحقق إذا ما توصلنا إلى توازن السوق.
5. منهجية الاقتصاد النيوكلاسيكي:
يكشف الاقتصاد النيوكلاسيكي عن عدد من الملامح المنهجية السائدة لدى أعلامه والمنتشرة بينهم على الرغم من القليل من الاختلافات النوعية بين عالم وآخر. ولأن الاقتصاديين الينوكلاسيك تسيطر عليهم الأيديولوجيا، وهي المتمثلة في تحويل العلم الاقتصادي إلى مبرر للنظام الرأسمالي كما رأينا في الصفحات السابقة، فإن هذا الطابع الأيديولوجي لعلمهم ينعكس على المنهجية التي يسيرون عليها ويؤدي إلى تشويهها في النهاية، وذلك بأن تسيطر عليها نزعات صورية وفردية ووضعية كما سيتضح فيما يلي.
أ. الإبستمولوجيا الوضعية:
نتيجة لسعي علماء الاقتصاد الينوكلاسيك نحو جعل العلم الاقتصادي علما دقيقا منضبطا، وضعوا أمام أعينهم نموذج العلم الطبيعي الذي حاز على الدقة ودرجة الصدق العالية استنادا على اعتماده على الرياضيات، وهو الفيزياء النيوتونية. لكن محاولة التشبه بالعلم الطبيعي في إقامة علم اجتماعي إنساني مثل الاقتصاد تؤدي في النهاية إلى نزعة وضعية تختماوال الحياة البشرية في قوانين تشبه القوانين الفيزيائية، وهذا ما حدث بالفعل مع النيوكلاسيك.
يستند الاقتصاد النيوكلاسيكي على ابستمولوجيا مستقاة من نموذج العلم الطبيعي في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، أو ما يعرف بالفيزياء النيوتونية. يتكون هذا النموذج من قوانين حول حركة الأجسام واتجاهات وسرعات هذه الحركة بناء على قوانين الجاذبية والكتلة والطاقة. واعتماد الاقتصاد النيوكلاسيكي على هذا النموذج يجعله يعامل موضوعه كما لو كان أجساما وطاقة ومادة، وكما لو كان يشكل نسقا مغلقا ينـزع دائما نحو التكامل، والملاحظ أن مفهوم التكامل ظهر لأول مرة في فيزياء نيوتن لوصف ما يحدث داخل نسق جاذبية مغلق مثل المجموعة الشمسية. يصرف الاقتصاد النيوكلاسيكي نظره عن أن موضوعه الحقيقي ليس حركة فيزيائية لأجسام داخل نسق مغلق بل هو حركة البشر التي لا يمكن فهمها بالتوازي أو التشبيه بحركة الأجسام الفيزيائية.
وتظهر نتيجة هذه المنهجية في تعامل الاقتصاد النيوكلاسيكي مع الإنتاج كما لو أنه طاقة، ومعاملة دوران السلع باعتبارها تسير في قنوات مثل سريان الطاقة والتي تنـزع دائما نحو التكامل، أي نحو التوزع العادل حسب قوانين الطاقة. والملاحظ أن نموذج الفيزياء النيوتونية هذا قد تجاوزه العلم المعاصر عن طريق النظرية النسبية ونظرية الكوانتم، ولذلك فإن العلمية التي يدعيها الاقتصاد النيوكلاسيكي كاذبة، نظرا لتجاوز العلم المعاصر للنموذج العلمي الذي يقلده النيوكلاسيك. لكن يظل النيوكلاسيك متمسكين بالنموذج العلمي للفيزياء النيوتونية نظرا لحاجتهم الأيديولوجية إليها، إذ تخدمهم جيدا في هدفهم الأساسي وهو إضفاء العقلانية على نظام غير عقلاني، وإضفاء الطابع العلمي على ما ليس إلا تبريرا أيديولوجيا للرأسمالية.
ب. النـزعة الصورية والهوس بالرياضيات:
يسعى النيوكلاسيك نحو جعل علم الاقتصاد علما تصنيفيا Taxonomic مولع باختراع الفئات والأصناف والمقولات، وبتقسيم وتوزيع كل الواقع بتنوعاته الهائلة على هذه الفئات: الإيجار العقاري والفائدة وأجر العمل، الأرض ورأس المال وقوة العمل، مقاول الأعمال والسوق الحر..إلخ. صحيح أن هذه الفئات تعبر عن شئ من الواقع، إلا أنها لا تعبر عنه كله وبدقة. فغالبا ما يعمل علماء الاقتصاد على فهم الواقع الاقتصادي بناء على هذه التصنيفات المسبقة لا بناء على البحث الواقعي، وبذلك فهم يحشرون الواقع في هذه التصنيفات المقولية بصرف النظر عما إذا كانت تستجيب للواقع أم لا. تكشف تلك النـزعة التصنيفية عن فلسفة في الماهيات وعن مفهوم عن طبيعة إنسانية ثابتة ذات حاجات بيولوجية فردية، وعن تبنيهم لمفهوم عن قانون طبيعي ثابت وأماوالي عبر التاريخ غير خاضع للتغيرات الاجتماعية والتاريخية.
ومن هذه الخلفية يسعى علماء الاقتصاد الكلاسيك والنيوكلاسيك على السواء نحو البحث عن انتظامات Uniformities ، وعن قوانين أماوالية تحكم السلوك الاقتصادي، ونحو وضع نظرية في التوازن الاقتصادي Equilibrium يدَّعون أن الواقع يكشف عنها. وهذا التوازن الذي يتكلمون عنه ليس سوى توازن وتكامل نظريتهم الاقتصادية نفسها لا توازن وتكامل الواقع، وفي النهاية تعبر فكرة التوازن لديهم عن التوازن النظري باستخدام المعادلات الرياضية والمسائل الحسابية. وبذلك ينغلق علمهم على نفسه ولا ينفتح أبدا على التنوع الاجتماعي للطبيعة الإنسانية و البعد التاريخي للنظم الاجتماعية.
كما يختزل النيوكلاسيك مفهوم الثروة في مفهوم الثروة النقدية وينظرون إلى المنفعة Utility على أنها الربح المالي لا الوفرة والرخاء الإنتاجي. وهذا ما يؤدي بهم إلى التعامل مع الإنتاج والتوزيع والتبادل ودوران رأس المال بلغة الأرقام، تلك الأرقام التي يدخلونها في معادلات رياضية وجداول ورسوم بيانية. واعتقادهم أن ما توصلوا إليه من معادلات رياضية هو القوانين الاقتصادية الحاكمة لحياة البشر يجعلهم يختماوالون غنى وتعقد الحياة البشرية والتتابع السببي التاريخي للحوادث إلى تتابع منطقي لخطوات البرهان الرياضي معتقدين أن هذا هو العلم في حين أنه هو الوهم بعينه.
سعى النيوكلاسيك، وخاصة في الولايات المتحدة، نحو تطوير التحليلات الرياضية الاقتصادية، وكان الموجه لهم في ذلك رغبتهم في إثبات أن التكاليف الفردية والتكاليف الاجتماعية متساوية، على الرغم من عدم تساويها واقعيا. وبكلمات أخرى سعى هؤلاء نحو توضيح أن المجتمع ليس سوى مجموع أفراده المكونين له، وبالتالي ليس في حاجة إلى ترتيبات اقتصادية خاصة به مختلفة عن الآليات التلقائية للسوق والتي تضمن رفاهية الأفراد؛ وكانوا في ذلك يكشفون عن التمسك بالعقيدة الليبرالية التقليدية عن السوق الحر وعن عدم استقلال المجتمع عن الأفراد المكونين له وعدم تشكيله لكيان مختلف عن الأفراد.
إن السبب الذي يجعل علماء الاقتصاد النيوكلاسيكي يلجأون إلى الرياضيات هو أنه كلما اتخذت النظرية الاقتصادية طابعا صوريا رياضيا كلما ظهرت كما لو أنها ابتعدت عن الأيديولوجيا، لأنها بذلك تركز على الشكل و لاتنطوي على أي مضمون يمكن أن تشوبه الأيديولوجيا. إن هذا النوع من النظريات بذلك يصبح منعماوالا عن الواقع وعن كل ما هو خارج المعادلة الرياضية. فالنظرية الاقتصادية الرياضية ليست إلا معادلات لا تقول لنا الكثير عن العلاقات السببية بين الأحداث، كما أنها لا تقوم بشئ إلا أن تعطي وصفا لحالة من الاعتمادات المتبادلة بين متغيرات.
إن ظاهرة الاعتماد الداخلي المتبادل بين عناصر نظام اقتصادي مصاغ بلغة رياضية مثل نظرية والراس على سبيل المثال لا تنشأ إلا لأن هذا النظام هو نظام في التوازن الثابث Static Equilibrium ، ومثل هذا النظام يقوم بتثبيت المتغيرات الاقتصادية الحقيقية التي لا تعرف توازنا ثابتا أبدا بل تشهد تغيرات دائمة؛ وإذا ما شهد الواقع شيئا من التوازن فلن يكون إلا توازنا مرحليا ومؤقتا بين تغيرين، أي توازنا ديناميا ينتقل بين تغيرات.
ومن بين الأسباب التي مكنت علماء الاقتصاد من التعامل مع الاقتصاد رياضيا تطور الاقتصاد نفسه إلى الدرجة التي جعلت التعامل الرياضي معه ممكنا. وقد جاء هذا التطور في شكل مزيد من الاستقلال للمجال الاقتصادي عن مجالات الحياة الأخرى وعن الإرادة الإنسانية، مما جعل الاقتصاد عصيا على التحكم البشري الواعي وأصبحت له قوانينه الخاصة التي يخضع لها البشر أنفسهم. فمع ازدياد استقلال العملية الاقتصادية عن الإرادة البشرية، ومع ازدياد انغلاق عالم الإنتاج الرأسمالي أمام التحكم البشري الواعي يجد البشر أن ما صنعته أياديهم استقل عنهم وأصبح متحكما فيهم. وعندما ينعماوال الاقتصاد عن الإرادة البشرية تتخذ قوانينه شكل القوانين الطبيعية، وعندئذ فقط تتمكن الرياضيات من التعامل معه. إن كثرة استخدام الرياضيات في التحليلات الاقتصادية يقف دليلا على اغتراب البشر عن شروط حياتهم المادية حتى أنها أصبحت تشكل كيانا مستقلا عنهم وتتحكم فيهم كما لو كانت قوانين الاقتصاد بحتميتها وضرورتها القاهرة تشكل طبيعة ثانية.
ومن الأسباب التي تجعل الاقتصاد الينوكلاسيكي يحول العلم الاقتصادي إلى علم رياضي هدف أيديولوجي يتمثل في أن اللغة الرياضية الصورية والرمزية تمكن النيوكلاسيك من التعامل مع الاقتصاد شكليا وصوريا عاماوالين بذلك المضمون العيني لعلمهم والذي يتمثل في الحياة الحقيقية للبشر. فعلى سبيل المثال، يعتم العلم الاقتصادي الرياضي على التناقض الطبقي، بل ويلغيه تماما؛ ذلك لأن الأطراف الاجتماعية الداخلة في العملية الإنتاجية لا تظهر إلا باعتبارها رموزا متساوية القيمة؛ فيتم التعبير عن رأس المال والعمل المأجور بـ (س) و(ص). تعامل اللغة الرياضية هذه الرموز على أنها تنتمي إلى فئة واحدة، فئة المتغيرات، وبذلك ينظر من يتعامل مع الواقع إلى هذه الرموز على أنها متساوية الدلالة في حين أنها تعبر عن أوضاع طبقية مختلفة تماما بينها تراتب سلطوي وخضوع طرف للآخر. إن التعبير عن رأس المال والعمل بـ(س) و(ص) يخدم أيديولوجيا الاقتصاد النيوكلاسيكي جيدا لأنه يتفق مع الوهم الذي تنشره هذه الأيديولوجيا والقائل بالتساوي بين رأس المال والعمل المأجور باعتبارهما طرفين متساويين في علاقة تعاقد حرة وقانونية.
6. تبرير الاقتصاد النيوكلاسيكي للرأسمالية:
إن المشكلة الأساسية التي تعاملت معها الليبرالية الجديدة، والتي ورثتها من الاقتصاد النيوكلاسيكي، هي مشكلة القيمة الزائدة: كيف تبرر استحواذ الرأسمالي على تلك القيمة الزائدة التي تسميها ربحا؟ كيف تبرر أرباح الرأسمالية؟ إن تبرير حصول الرأسمالي على الربح من أهم القضايا الحساسة بالنسبة لأي أيديولوجيا مبررة للرأسمالية، وذلك نظرا لأن قضية القيمة الزائدة كانت محل نقد ماركس. أعلن ماركس منذ أربعينات القرن التاسع عشر أن القيمة الزائدة نتاج للعمل البشري وحده، لكن يستحوذ الرأسمالي عليها بفضل موقعه الحاكم والمسيطر في العملية الإنتاجية، وبفضل علاقة التراتب الطبقي بين رأس المال والعمل المأجور. وبالتالي نظر ماركس إل
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
chaima
صاحب الموقع
صاحب الموقع
chaima


عدد المساهمات : 866
تاريخ الميلاد : 06/04/1993
العمر : 31
الموقع : http://etude40.fanbb.net

 المدرسة الكلاسيكية و النيوكلاسيكية في الإقتصاد السياسي Empty
مُساهمةموضوع: رد: المدرسة الكلاسيكية و النيوكلاسيكية في الإقتصاد السياسي    المدرسة الكلاسيكية و النيوكلاسيكية في الإقتصاد السياسي Emptyالسبت فبراير 21, 2015 5:13 pm

المدرسة الكلاسيكية و النيوكلاسيكية في الإقتصاد السياسي
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
المدرسة الكلاسيكية و النيوكلاسيكية في الإقتصاد السياسي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  مقياس :إدارة الأزمات (المدرسة الوطنية للادارة)
»  بحث حول الظريات الكلاسيكية في الادارة ،تسيير مؤسسة،لطلاب سنة 2 علوم تسيير
» مدخل الى الفكر السياسي الغربي
» نظريات التكامل السياسي
»  الفكر السياسي عند : مكيافيللي

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى طلبة جامعة خنشلة -جامعة عباس لغرور :: جامعة عباس لغرور :: كلية الحقوق والعلوم السياسية - Droit / Science Politique-
انتقل الى: